لا يحتاج المرء إلى فطنة كبيرة ليدرك أن الأسباب المعلنة لمحاولة قوات السلطات الانتقالية في دمشق اقتحام معسكر "الجهاديين" الفرنسيين في ريف إدلب، إنما هي مجرد شرارة مباشرة ظاهريّة، بينما تقودنا الأسباب الجوهريّة إلى تفاصيل عديدة ترتبط بالملف "الجهادي" برمّته، وبالتزامات قدّمتها، أو طولبت بها، السلطة في دمشق إلى "المجتمع الدولي".
ربما لعبت المصادفات دورها في اختيار "فرقة (أو كتيبة) غرباء" الفرنسيّة لتكون نقطة انطلاق للتعامل مع الملف "الجهادي"، غير أنّ هناك عاملًا شديد الأهميّة ساعد في هذا الاختيار، وخُلاصته أن مؤسس وزعيم "غرباء" عمر ديابي (أومسين) يشكل خطرًا داخليًّا على "بُنية الجيش السوري الجديد"، فضلًا عن مشكلات عديدة كان قد أثارها مرارًا على امتداد سنوات لـ"هيئة تحرير الشام" وباريس على حدٍّ سواء.
ما تقدّم لا يستند إلى آراء وتحليلات، بل إلى معلومات راسخة، مدعمة بوثائق معظمها متاح في الفضاء العام، لكنهُ مقصىً (بشكل مقصود؟) عن التداول في "الميديا" السوريّة، والعربية (لا سيّما الداعمة لدمشق اليوم).
مجلس الأمن: ديابي خطر مستمر حتى اليوم
"لم تفرض الحكومة المؤقتة سيطرتها الكاملة على جميع الفصائل، بما في ذلك بعض الفصائل التي تتبنى أيديولوجيات متطرفة مثل كتيبة التوحيد والجهاد، وأجناد القوقاز، وأنصار التوحيد، وأنصار الإسلام، وأنصار الدين، وكتيبة الغرباء الفرنسية (التي يقودها عمر ديابي). ويحافظ بعض الفصائل على علاقات مع جماعات موالية لتنظيم القاعدة ويتشاركون معها في اللوجستيات. وسُجلت محاولات لمقاتلين إرهابيين أجانب للوفود إلى الجمهورية العربية السورية لأهداف منها الانضمام إلى جماعة عمر ديابي".
تُشكل هذه الفقرة مُدخلًا ضروريًّا قبل الخوض في أي حديث حول المواجهة المستجدة بين القوات التابعة للسلطة في دمشق، وبين "كتيبة الغرباء الفرنسية" التي تُدير مجتمعًا خاصًّا بها في حارم، بريف إدلب الشمالي. تنبع أهمية الفقرة من عوامل عديدة، فهي جزء من وثيقة حديثة مُقدّمة إلى مجلس الأمن الدولي، وبالتحديد التقرير 36 للجنة مجلس الأمن المكلفة برصد وتحليل نشاطات تنظيمي "داعش" و"القاعدة"، والجماعات المرتبطة بهما، وقد رُفعت إلى مجلس الأمن في 24 تموز/يوليو الماضي، أي قبل ثلاثة أشهر فحسب، وكان عمر ديابي الاسمَ الوحيد الذي ورد في هذه المراجعة لـ"جهادي" ينشط في سوريا حاليًا.
تعتبر الاستخبارات الفرنسيّة المقاطع الدعائيّة التي شارك ديابي فيها السبب الرئيس لانضمام عدد كبير من الفرنسيين إلى المجموعات "الجهادية"
بين آذار/مارس وأيلول/سبتمبر، تكرر ورود اسم ديابي في الإعلام الفرنسي، مقرونًا بأخبار عن شبان فرنسيين ينطلقون لـ"الجهاد" في سوريا. على سبيل المثال، يتحدث تقرير نشرته "لوفيغارو" في 30 أيلول/سبتمبر عن استمرار استقطاب المجاهدين إلى سوريا، ويورد معلومات موثقة مفادها أن أربعة "جهاديين" فرنسيين على الأقل "وصلوا سوريا منذ سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر، بينما أُلقي القبض على ثمانية آخرين كانوا يستعدون للذهاب، ومن بينهم امرأتان كانتا رفيقتين للجهاديين"، ويلعب ديابي وكتيبته دور المغناطيس لهؤلاء.
من هو ديابي؟
وُلد عمر ديابي الشهير بـ"أومسين"، في داكار ــــ السنغال في 1976، وانتقلت عائلته إلى فرنسا في طفولته لينشأ في إحدى ضواحي مدينة نيس. تشير بعض التقارير الأمنية والإعلامية الفرنسية إلى أن ديابي مرّ بـ"المسار الكلاسيكي" نفسه الذي يمرّ به بعض الشباب في الضواحي الفرنسية، واشتمل ذلك على مشكلات قانونية في مراهقته، فصار لديه سجل جنائي بسيط قبل أن يذهب في اتجاه التشدد الديني.
في 2011 كان عمر ديابي يخطط للذهاب إلى أفغانستان برفقة عشرة آخرين، لكنه أوقف في محطة قطارات نيس يوم المغادرة. في أواخر 2012 نجح في المغادرة إلى تركيا، ومنها دخل سوريا حيث أسس لاحقًا "فرقة غرباء" المكونة من "جهاديين" فرنسيين حصرًا، وبدأ ينسج علاقات طيبة مع "جبهة النصرة"، وحين وقع الشقاق بين الأخيرة وبين "داعش" انحاز إلى "النصرة" فارتفعت أسهمه لديها، لا سيما مع براعته في استقطاب عشرات الفرنسيين والفرنسيات من وراء الحدود إلى فرقته التي راحت تنمو في كنف "النصرة". عُرف بين عشاقه بلقب "الجهادي الخارق" من دون مُعطيات توضح أسباب ذلك اللقب باستثناء "عودته من الموت"، بعد أن أشيع نبأ موته في 2015، لينكشف لاحقًا أنّه كان وراء إطلاق تلك الشائعات التي اتّضح زيفها في عام 2016.
في 2014 فُتح تحقيق رسمي ضد عمر ديابي في محكمة باريس لمكافحة الإرهاب بتهم "تجنيد مقاتلين وإرسالهم إلى سوريا"، وفي 2015 صدر أمر توقيف دولي بحقه بعد تحديد موقعه في إدلب، لارتكابه "أفعالًا تندرج ضمن الانخراط في عصابة إرهابية وتجنيد مقاتلين أجانب"، وفي تموز/يوليو 2016 أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية رسميًّا أن ديابي "أحد أبرز المجنّدين الفرنسيين في سوريا، ويُعتبر خطرًا إرهابيًا ذا أولوية".
في أيلول/سبتمبر من ذلك العام، وصفت الولايات المتحدة أومسين بأنّه "إرهابي دولي"، وأدرجته على قائمتها للعقوبات. وقال بيان أصدرته وزارة الخارجية الأميركية وقتها إنّ "ديابي قاد مجموعة من خمسين متطوعًا فرنسيًّا إلى سوريا للقتال في صفوف جبهة النصرة"، مشيرًا إلى أنّ الاستخبارات الفرنسيّة تعدّ المقاطع الدعائيّة التي شارك ديابي فيها "السبب الرئيس لانضمام هذا العدد الكبير من المواطنين الفرنسيين إلى صفوف المجموعات التي تقاتل في سوريا والعراق". وبعد شهر واحد أدرجه مجلس الأمن الدولي رسميًا ضمن قائمة العقوبات الخاصة بـ"القاعدة" و"داعش".
"الفردان".. ملف فرنسي من الألف إلى الياء
تزعم مصادر غير رسمية عديدة أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثار ملف "الجهاديين" الفرنسيين ومخيمهم مع رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع. وتذهب هذه المصادر إلى أن ماكرون "طلب التعامل مع هذا المخيم، وتفكيكه". لكن هذه المزاعم تتعارض مع سياسات فرنسا في الملف السوري برمّته منذ العام 2017، وهي سياسة اهتمّت بشكل خاص ببقاء الجهاديين الفرنسيين تحت السيطرة في سوريا.
رُسمت السياسة الفرنسية استنادًا إلى مذكرة سرّية أعدّها "مركز التحليل والتنبؤ والاستراتيجية" CAPS)) التابع لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية، حملت عنوان "مكانة فرنسا في الصراع بعد سقوط حلب".
لم تنشأ "إمارة أومسين/ديابي" الصغيرة من دون علم "هيئة تحرير الشام"، بل بتوافق معها
تنطلق المذكرة من "مخاطر التوجهات الأوربية للتطبيع مع الأسد ودعم إعادة الإعمار"، وتنتقد تصريحات أطلقتها في تشرين الأول/أكتوبر 2016 الممثلة السامية للاتحاد الأوربي (وقتذاك)، فيديريكا موغريني، أثناء زيارتها لطهران، عن "نية الأوروبيين التفاعل مع الجهات الفاعلة الإقليمية بهدف إعادة إعمار سوريا". تعتبر المذكرة أن "موضوع إعادة الإعمار أو الاستقرار في سوريا، الذي يروج له بمهارة واقتناع السيد عبد الله الدردري، نائب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، يقر بالهزيمة التي لا رجعة فيها للتمرد السوري"، ثم تطرح سؤالًا مركزيًّا: "كيف نحافظ على مصالحنا في مواجهة الفخ المزدوج للانتقال المخادع والرافعة الاقتصادية التي سيستفيد منها النظام في الواقع؟"، لتجيب عبر حزمة توصيات، منها (تلخيصًا): إقناع الشركاء الأوروبيين بأن رافعة إعادة الإعمار التي يسعى إليها النظام هي وهم، والتصدي للتطبيع، والحفاظ على مستوى التعاون في مكافحة الإرهاب مع الإدارة الأميركية الجديدة (إدارة دونالد ترمب في ولايته الأولى)، والتأكيد على أن الإرهاب لن ينخفض بتسليم سوريا للنفوذ الإيراني"، فضلًا عن دعم قوى الأمر الواقع في شمال، وشرق، وجنوب البلاد، وطمأنة الأردن وتركيا بأن الهدف من الدعم ليس "إضفاء الطابع المؤسسي على تقسيم البلاد، بل إقامة حوكمة مستقرة وسيطرة أمنية صارمة في المناطق السنية المتاخمة لحدودهم لدرء خطر التطرف".
كيف نشأ "الفردان"؟
لم تنشأ "إمارة أومسين/ديابي" الصغيرة من دون علم "هيئة تحرير الشام"، بل بتوافق معها، وفي إطار تفاهم جاء عقب تردي العلاقات بينهما، وقضى بأن يعتزل أومسين العمل "الجهادي" بما في ذلك أن يوقف نشاطه في تجنيد فرنسيين جدد، واجتذابهم من فرنسا إلى إدلب.
كانت منظمة "الهلال الأحمر" القطري قد وقّعت اتفاقًا مع "مؤسسة الفردان الخيرية" عام 2016 لدعم مشروع "حياة كريمة"، على أن يُخصص تبرع "الفردان" لإنشاء "مدينة الفردان الخيرية"، وهي عبارة عن قرية متكاملة تضم 200 وحدة سكنية في مدينة حارم على الحدود السورية التركية، وفق المعلومات التي نُشرت عن المشروع وقتذاك (من اللافت أن مقاطع فيديو عديدة توثق افتتاح القرية حُذفت من الإنترنت).
تاليًا تحولت قرية الفردان الخيرية إلى واحدة من "القرى الطينية الخمس" التي أنشأها "الهلال الأحمر القطري" في المنطقة الحدودية، وفي هذه القرية تحديدًا نشأت "إمارة أومسين"، على أن التطابق الذي جاء بمحض المصادفة بين اسم الممول واسم مدينة فرنسية، أوحى بأن الاسم أُطلق بقرار من أومسين وكتيبته الفرنسية.
الخلاف الأول
قبل سبعة أعوام نشبت المواجهة العسكرية الأولى بين "كتيبة الغرباء الفرنسية" وبين "تحرير الشام". كان التوتر قد بدأ بين الطرفين في 2015، لأسباب تنافسيّة بين زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني (رئيس المرحلة الانتقالية حاليًا، أحمد الشرع) وبين أومسين، قبل أن تتفاقم على خلفيّة عدم التزام الأخير بالاتفاق الذي يقضي بـ"اعتزاله النشاط الجهادي".
غير أن الفتيل الذي أشعل المواجهة كان مطابقًا تمامًا للفتيل الذي أشعل المواجهة الحالية: خلاف على حضانة طفلة اسمها ياسمين، هي ابنة "جهادي" فرنسي سابق. كان أومسين قد احتجز الطفلة وأودعها في عهدة "بنيامين الفرنسي" وهو "جهادي" تابع له، ودأب "بنيامين" بدوره على ابتزاز والدة الطفلة وسحب مبالغ ماليّة منها بين وقت وآخر مقابل السماح لها برؤية صور ابنتها، ومحادثتها عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي (أعيد نشر مقاطع في الأيام الأخيرة على أنها تعود إلى التوتر الحالي، وهذا خطأ).
الخطر الأساسي الذي تستشعره دمشق وباريس هو علاقة أومسين بـ"الجهاديين التركستان" ونشاطه في استقطاب "جهاديين" أجانب
ياسمين، هي ابنة "الجهادي" مهدي جند الله الفرنسي، الذي أوصى أومسين بـ"رعاية ابنته وعدم تسليمها لأمها في حال استشهاده، لأنّ الأم كافرة"، على ما أكده لي بشكل مباشر أحد المقربين من أومسين في 2018. أدّت تطوّرات القضية إلى نشوب اشتباكات متفرقة بين مسلّحين تابعين لـ"حرّاس الدين" من بينهم فرنسيّون، وآخرين تابعين لـ"تحرير الشام"، إذ كان أومسين قد أعلن انضمام كتيبته إلى "حراس الدين" وفاء لـ"بيعة" في عنقه لتنظيم "القاعدة"، بعدما أعلنت "جبهة النصرة/تحرير الشام" فك الارتباط بالتنظيم الأم، وقرر "القاعدة" اعتماد "حراس الدين" فرعًا له في سوريا.
في آب/أغسطس 2018 اعتقلت "تحرير الشام" أومسين، ثم قضى اتفاق بينها وبين "حراس الدين" بتشكيل لجنة للبت في القضية، وحكمت اللجنة بردّ الطفلة إلى أمها الفرنسية (كانت تقيم في فرنسا)، كما أُطلق سراح أومسين على أن يعاود التزام الاتفاق، ويعتزل نشاطه.
نهج "شرعي"
في الخلاف الحالي بين دمشق، وأومسين برز الحديث عن "اختطاف امرأة" من قبل مجموعة أومسين، وسرعان ما ظهرت رواية مضادة ووثائق تشير إلى خلاف حول "حضانة شرعية لطفلة"، على نحو مطابق تمامًا لقصة ياسمين (2018). يرتبط الأمر جوهريًّا بـ"الدستور" الذي سنّه عمر أومسين لـ"إمارته" الصغيرة، إذ ينص على أن "حضانة أي طفل من صلب جهادي فرنسي، حق لأمير الجماعة، ويمكنه أن ينيطه بمن يشاء"، وهذا الحق "يعلو على حق أم الطفلة إن كانت تعيش خارج الفردان، بل وعلى حق أبيها أيضًا إن كان يعيش في بلاد كفر".
العلاقة مع "التركستان"
يمكن القول إن علاقة عمر أومسين بـ"الجهاديين التركستان" في سوريا هي الخطر الجوهري الذي تستشعره دمشق، وهذا ليس وليد اليوم. ففي أيار/مايو 2018، أصدرت "مؤسسة صوت الإسلام" الذراع الإعلاميّة لـ"الحزب الإسلامي التركستاني" شريطًا مصوّرًا فريدًا من نوعه في مسيرة "الحزب". فخلافًا للإصدارات الأقدم التي كانت تهتم بمخاطبة الأويغور والأتراك فحسب، جاء ذلك الإصدار موجّهًا إلى "جهاديي الغرب"، وحمل اسم "الهجرة إلى الله".
في الشريط، وعلى امتداد ساعة وعشر دقائق، تناوب الظهور كنديٌّ ومغربيٌّ وثلاثة فرنسيين للحديث عن مزايا "الجهاد" والترويج له. وفُسرت تلك الخطوة على أنها دخول لـ"التركستاني" على خط "عولمة الجهاد"، وسعي لاستقطاب "مهاجرين" من جنسيات مختلفة. وسريعًا انشغلت الصحافة الفرنسية بهذا التحول، وحفلت بمعلومات عن دور مباشر لـ أومسين ومجموعته في النشاط الدعائي المستجد، بل وفي تدريب عناصر "التركستاني". كان ذلك خطرًا يهدد احتكار "تحرير الشام" للتحالف مع "التركستاني"، وسببًا جوهريًّا لاستنفار "الهيئة" واعتقال أومسين بعد ثلاثة أشهر، بستارٍ من قصة الطفلة ياسمين.
ما أشبه اليوم بالأمس؟
في النزاع المستجد بين "هيئة تحرير الشام" بعدما باتت تتربع على رأس نظام الحكم في سوريا وبين أومسين وكتيبته الفرنسية، ثمة مُشتركات واضحة: نشاطٌ متنامٍ لأومسين في استقطاب "جهاديين" أجانب، استشعار مشترك للخطر من قبل دمشق وباريس، قصة حضانة طفلة، وتحالف أعاد مدّ رأسه بين أومسين وبين "جهاديين تركستان". بيد أن الاختلاف الأبرز اليوم يتمثل في أن القسم الأكبر من "التركستان" بات محسوبًا على "الجيش السوري الجديد".
يُفسر التفصيل الأخير ببساطة قدرة التركستان على الدخول في وساطة، والوصول إلى اتفاق تهدئة بين أومسين وبين "الهيئة" التي لا تريد بالتأكيد خلافات حادة مع قوة ضاربة في "جيشها". ولذلك، يُرجح أن تنجح التهدئة مؤقتًا، على أن يُجدد أومسين التزامه بالاتفاق الذي لم يلتزمه يومًا.
ماذا سيحدث لاحقًا؟ قد نجد في سيرة أبو ماريا القحطاني عبرةً جديرة بالاهتمام.
ماذا عن الغد؟
ثمة أسئلة عديدة واجبة الطرح عن مستقبل العلاقة بين دمشق، و"الجهاديين" الأجانب، بمن فيهم، بل وعلى رأسهم "التركستان" المنضوون في "الجيش الجديد". ولفهم جوهر هذه الأسئلة، أقتطف مرة أخرى من وثيقة مجلس الأمن (تموز/يوليو 2025) فقرة قد تبدو طويلة، لكنها تُغني عن تحليلات كثيرة. تقول الوثيقة في الفقرتين 57، 58:
"كانت الحركة الإسلامية لتركمانستان الشرقية، المعروفة أيضًا باسم الحزب الإسلامي لتركستان، طرفًا في تحالف هيئة تحرير الشام الذي أطاح بحكومة الجمهورية العربية السورية السابقة في كانون الأول/ديسمبر 2024، وقد تمركز أفرادها بعدئذ في دمشق وحماة وطرطوس في المقام الأول. ووفقًا لإحدى الدول الأعضاء، أجرت تلك الحركة، برعاية هيئة تحرير الشام، تدريبات على المهارات القتالية البحرية، بما في ذلك تدريبات على الهجوم على الزوارق السريعة، وعمليات الإنقاذ البحري، والسباحة والغوص بالسلاح، في شباط/فبراير 2025 في اللاذقية لتحسين قدرة مقاتليها على الصمود في ظروف ساحات المعارك المعقدة. وأبلغت تلك الدولة أيضًا بأن بعض الجماعات الإثنية في إحدى دول الشرق الأوسط التي تدعم "استقلال تركستان الشرقية" كثفت جهودها لجمع الأموال من أجل اقتناء أسلحة ونقلها سرًا إلى تلك الحركة في الجمهورية العربية السورية. وأبلغت إحدى الدول الأعضاء باختطاف الحركة مواطنين صينيين في الجمهورية العربية السورية والتحرش بهم وإرهابهم. ورأت إحدى الدول الأعضاء أن الولاء الأساسي للحركة الإسلامية لتركمانستان الشرقية/الحزب الإسلامي التركستاني هو للحكومة الجديدة للجمهورية العربية السورية. ورأت إحدى الدول الأعضاء حسب تقييمها أن الحركة تدين بالولاء لحكومة الجمهورية العربية السورية في المقام الأول. وقالت دولة عضو أخرى إن أفراد الحركة اندمجوا في المجتمع السوري وأصبحوا موظفين في وزارة الدفاع في الجمهورية العربية السورية.
ولاحظت الدول الأعضاء تمركز صنع القرار في الحكومة المؤقتة. فتسعة وزراء على الأقل من بين 23 وزيرًا هم أفراد لهم صلة مباشرة أو غير مباشر بهيئة تحرير الشام، وشغل أربعة منهم مناصب عسكرية في هذه الجماعة. وهم يشرفون الآن على الوزارات الرئيسية (مثل وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والعدل). ويُعهد بالعمليات التكتيكية إلى أفراد يؤمن العديد منهم بنفس أيديولوجية تنطيم القاعدة، ويثير ذلك تساؤلات بشأن السيطرة التي تمارسها هذه العناصر على الأرض".