ماذا نعرف عن الموقوفين الإسلاميين السوريين في لبنان؟
تتشابك قضية الموقوفين الإسلاميين السوريين في لبنان مع قضايا الموقوفين الإسلاميين في البلد بشكل عام. ولهذه القضايا المتشابكة تاريخ عمره ستة وعشرون عامًا. في هذا التقرير نستعرض أبرز محطاته.
تتشابك قضية الموقوفين الإسلاميين السوريين في لبنان مع قضايا الموقوفين الإسلاميين في البلد بشكل عام. ولهذه القضايا المتشابكة تاريخ عمره ستة وعشرون عامًا. في هذا التقرير نستعرض أبرز محطاته.
عادت قضية الموقوفين السوريين في لبنان إلى الواجهة بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث برزت مطالب بالعفو عنهم، علمًا أن مباحثاتٍ رسمية عُقدت بين الجانبين لحلّ هذه القضية، كان آخرها في أيار/مايو الماضي بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ورئيس الحكومة اللبناني نواف سلام.
تُفيد أرقام وزارة الداخلية اللبنانية بوجود نحو 2,000 سجين سوري في لبنان، معظمهم متّهم بجنح وجنايات كالسرقة واختلاس الأموال والقتل والتزوير والدخول خلسة إلى لبنان.
أمّا الموقوفون على خلفية تهم الإرهاب أو المشاركة في أحداث أمنية في لبنان أو سوريا، فيبلغ عددهم 126 سوريًّا (بينهم فلسطينيون سوريون)، بحسب تقرير صدر في تموز/يوليو 2025.
وتشملُ التهم الانتماءَ إلى منظّمات مثل "هيئة تحرير الشام" أو "الجيش السوري الحر" أو "جبهة النصرة" أو "داعش"، أو قتال الجيش اللبناني أو الإعداد لتفجيرات في مناطق مختلفة من لبنان.
بحسب بيانات حصلت عليها "أوان" من مدير البرنامج القانوني لمركز "سيدار للدراسات القانونية"، المحامي محمد صبلوح (وهو وكيل عدد من الموقوفين)، يُسجّل الحبس بين 15 و20 سنة النسبة الأكبر من الأحكام الصادرة بحق الموقوفين السوريين "الإسلاميين" (31%)، يليه "الحبس المؤبّد" (27%)، علمًا أنّ بعض هذه الأحكام غير قابل للطعن (12%).
وقد حُكم 15 سوريًّا بالإعدام، علمًا أن لا إعدام فعليًّا في لبنان منذ 2004، غير أنّ القضاء اللبناني ما زال يُصدر أحكامًا بالإعدام برغم عدم تنفيذها. وتتحوّل هذه العقوبة إلى حبسٍ مؤبّد مع بقاء إمكانية تنفيذها في حال اكتملت الإجراءات المفروضة قانونًا.
كما أن 13% من الموقوفين إما ينتظرون انتهاء محاكمتهم أو أنهم لم يخضعوا لمحاكمة على الإطلاق.
يتواجد العدد الأكبر من الموقوفين السوريين في سجن "رومية" بالقرب من العاصمة بيروت، وتحديدًا في المبنى "ب" المعروف بمبنى "الموقوفين الإسلاميين" في لبنان، وهناك عدد قليل منهم في ثكنات الجيش اللبناني.
تُحقّق المحكمة العسكرية في تهم قتال الجيش، بينما يَمثُل عدد قليل أمام المجلس العدلي الذي يحقّق في التفجيرات التي استهدفت بيروت والبقاع والشمال بين عامي 2013 و2015، والتي تبنّت "جبهة النصرة" و"داعش" معظمها. والمجلس العدلي هو محكمة استثنائية تُحال إليها الجرائم الخطرة كجرائم الإرهاب، وذلك بموجب مرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء.
وتعمدُ المحاكم في لبنان عامةً إلى تأجيل طويل ومكرّر في جلسات محاكماتها، وتصل فترات بعضها إلى سنوات من دون أن يَسمح رؤساءُ المحاكم بإخلاء سبيل أي موقوف خلال تلك الفترات.
تخضع عملية إعادة المعتقلين السوريين في لبنان لاتفاقيات ثنائية بين البلدين، بينها الاتفاقية القضائية لعام 1951 التي تُنظّم التعاون القانوني الخاص بتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام القضائية، على أن يكون الحكمُ نهائيًّا وأن تكون الجريمة خاضعة للعقوبة بموجب قوانين البلدين.
سلّمت الدولة اللبنانية عشرات المعتقلين إلى سوريا منذ 2019، وقد ارتفع العدد عامي 2023 و2024 قبل سقوط نظام الأسد. وسُجّلت، حينذاك، محاولات انتحارعدة بسبب تسليم بعض الموقوفين المعارضين للنظام السوري.
ومنذ سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، لم يحدث أي تسليم لموقوفين بين لبنان وسوريا. وعُقدت لقاءات بهذا الخصوص بين كلٍّ من رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة الحالي نواف سلام ومفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان من جهة وبين الإدارة السورية الجديدة من جهة أخرى.
اعتبر أعضاء لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين المعتصمين أن أسباب المحاكمة سقطت مع سقوط نظام الأسد
أفاد بعض المعتقلين السوريين خلال محاكمتهم بأنهم تعرّضوا للضرب والتعذيب. وفي العام 2024، سُجِّلت حالات انتحار بسبب تردي الوضع النفسي لبعض السجناء.
وتُعاني السجون في لبنان، عامّةً، من مشكلات اكتظاظ، خصوصًا مع بقاء عدد كبير من الموقوفين في السجن برغم انتهاء فترة محكوميتهم. وتشهدُ السجون إهمالًا طبيًّا وتحديدًا في سجن رومية، حيث يتوفّر طبيبٌ (عسكري) واحد لنحو 4 آلاف سجين. وفي حزيران/يونيو، على سبيل المثال، توفيّ أحد المعتقلين بسبب جلطة دماغية لم يحصل إثرها على علاج مناسب. وبعد شهرٍ تقريبًا، انتحر موقوف سوري بسبب عدم توفير دواء كان بحاجة إليه.
وخلال الأعوام الماضية، شهد "سجن رومية" تظاهرات وإضرابات عن الطعام و"أعمال شغب" للمطالبة بتحسين ظروف الحبس أو إجراء محاكمات للسجناء الذين ينتظرون محاكمتهم منذ سنوات عدة.
في اليوم الثالث لسقوط نظام الأسد، اعتصم أعضاء لجنة أهالي الموقوفين الإسلاميين و"هيئة العلماء المسلمين" أمام سجن "رومية" للمطالبة بالعفو والإفراج عن "الموقوفين الإسلاميين"، وعلى رأسهم الشيخ أحمد الأسير، اللبناني، بحسب "المفكرة القانونية". واعتبر المعتصمون أن أسباب المحاكمة سقطت مع سقوط نظام الأسد نظرًا لأن توقيفهم يتعلّق بـ "دعم الثورة السورية".
وفي شباط/فبراير 2025، أعلن عدد من الموقوفين في "رومية" إضرابًا مفتوحًا عن الطعام احتجاجًا على ظروف التوقيف القاسية، وطالبوا بترحيلهم إلى سوريا "لانتفاء التهم بحقهم". ثم قاموا بفكّ الإضراب بعد أيام إثرَ وعدٍ سوريّ بالعمل على حلّ قضيتهم.
تعدّدت مطالب إصدار قانون عفوٍ عام يشمل "الموقوفين الإسلاميين" كافة، من لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، باعتبار أن قضيتهم واحدة. وخلال السنوات الماضية، تحديدًا عام 2019، قُدّمت اقتراحات قوانين عدة للعفو العام عن بعض الجرائم في البرلمان اللبناني، دون أن تبصر النور بسبب الخلافات حول الفئات الخاضعة للعفو. كما لاقى العفو عن الموقوفين الإسلاميين معارضة بسبب اتهام بعضهم بقتال الجيش اللبناني، خصوصًا في معارك "جرود عرسال" في البقاع.
بدأت ما يطلق عليها "قضية الموقوفين الإسلاميين في لبنان" في مطلع الألفية الثالثة، وتوالت الأحداث الأمنية من معارك واعتداءات على الجيش اللبناني وتفجيرات في مناطق مختلفة، ما رفع عدد الموقوفين الذين تنوّعوا بين لبنانيين وفلسطينيين وسوريين.
بعد اعتداءين على كنيستين في مدينة طرابلس في تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر 1999، اعتقل الجيش اللبناني عددًا من الإسلاميين، فهربت مجموعة كبيرة إلى جرود منطقة الضنية. وفي اليوم الأخير من العام، اعتدت مجموعة منهم على حاجز للجيش فقتلت عددًا من الجنود واختطفت آخر، ما أشعل معارك بين الجيش والفارين في جرود منطقة الضنية، أسفرت عن مقتل 11 جنديًا لبنانيًّا و4 مدنيين واعتقال عدد من المسلحين.
وفي العام 2005، أقرّ مجلس النواب اللبناني قانونَيْ عفو عام؛ الأول عن قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع والثاني عن الموقوفين في "أحداث الضنية".
في أيار/مايو 2007، دارت اشتباكات بين الجيش اللبناني وتنظيم عُرف باسم "فتح الإسلام" بقيادة شاكر العبسي في مخيّم "نهر البارد" الفلسطيني شمال لبنان. بدأت الاشتباكات إثر سلسلة عمليات قتل فيها مسلحون من "فتح الإسلام" 27 عنصرًا من الجيش، وامتدت لأكثر من ستة أشهر. وقد استُخدمت في المعارك أسلحة خفيفة وثقيلة من قبل المسلْحين والجيش الذي حاصر المخيم واستهدف مناطق مختلفة فيه أثناء تقدّمه ببطئ.
قُتل في المعارك أكثر من 160 جنديًا لبنانيًا وعشرات المدنيين، ولم تحصل إعادة إعمار كاملة للمخيم منذ ذلك الحين. وقد نزح عدد كبير من سكان المخيم أو سكنوا في خيم وبيوت مؤقتة (ما زالت موجودة) شيّدتها وكالة "الأونروا".
يقول المحامي محمد صبلوح في تصريح لـ "أوان" إنّ الدعاوى طالت نحو 500 شخص في هذه القضية، وقد حُكم على 45 منهم بالبراءة بعد 15 عامًا، فيما حُكم على نحو 200 آخرين بالحبس لسنتين.
مسلحون من "فتح الإسلام" قبيل معارك مخيم نهر البارد عام 2007 - AFP
في العام 2008، دارت العشرات من جولات الاشتباك المسلّح بين منطقتي جبل محسن (ذات الغالبية العلوية) وباب التبانة (ذات الغالبية السنية) في مدينة طرابلس على خلفيات طائفية وربطًا بمواقف من الحكومة اللبنانية آنذاك. وانتهت الجولات بعد أشهرٍ قُتل خلالها نحو 100 شخص، قبل أن تتجدّد بين عامي 2011 و2012.
ومنذ ذلك الحين، صدرت نحو 11 ألف وثيقة اتصال بحقّ أشخاص اتُهموا بالمشاركة في المعارك، وهي عبارة عن تعميمات لأسماء أشخاص بوصفهم "مطلوبين" من مخابرات الجيش اللبناني. وتأتي هذه التعميمات على خلفية تبليغ أشخاصٍ "مدنيين" عن أشخاصٍ آخرين، لكنّ خطورتها تكمنُ في أنها تقع خارج رقابة القضاء، إذ إنّ "المطلوبين" يُحاكَمون أمام المحكمة العسكرية عند إلقاء القبض عليهم.
ولم تُلغَ وثائق الاتصال حتّى الآن برغم صدور قرارٍ بهذا الشأن عن رئيس الحكومة عام 2014، تمّام سلام، وقرارٍ آخر عن رئيس الحكومة الحالي نوّاف سلام، في حزيران/يونيو 2025.
في 23 حزيران/يونيو 2013، هاجمت مجموعة مسلّحة تابعة لـ "الشيخ أحمد الأسير" في بلدة عبرا - صيدا حاجزًا للجيش اللبناني، وانتهت المعركة بين الجانبين بسيطرة الجيش على المنطقة وفرار الأسير، بعدما أسفرت عن قتل عشرات المدنيين وعسكريين من رُتب مختلفة في الجيش اللبناني. يومذاك، اتّهمت جماعة الأسير والقوى المتعاطفة معها "حزب الله" بالانخراط في المعركة إلى جانب الجيش اللبناني.
أُلقي القبض على الأسير خلال محاولته الهرب من لبنان في مطار بيروت عام 2015، وهو موقوف حاليًا في سجن رومية ومحكوم بالإعدام. وقد حصلت موجة اعتقالات لعدد من المشاركين في تلك المعارك ضد الجيش اللبناني.
تظاهرة مطالبة بالإفراج عن المعتقلين الإسلاميين في لبنان، وتظهر فيها صورة الأسير ـــ AFP
في الأول من آب/أغسطس 2014، بعد إلقاء الجيش اللبناني القبض على أحد قيادات "جبهة النصرة" في جرود عرسال في منطقة البقاع، قامت "النصرة" باختطاف عناصر من الجيش اللبناني، فيما خطفت مجموعة بقيادة شيخ يدعى مصطفى الحجيري 16 منتسبًا إلى قوى الأمن الداخلي.
إثر ذلك اندلعت اشتباكات ـــ استمرّت لأيام ـــ بين الجيش وتلك المجموعات، قُتل خلالها عشرات اللبنانيين والسوريين وعساكر في الجيش اللبناني، وسقط نحو 100 جريح، فيما ظلّت بعض العناصر محتجزة حتّى أفرج عنها تباعًا إثر وساطات إقليمية.
واعتقلت السلطات اللبنانية مئات المتّهمين بالمشاركة في المعارك، واقتحم الجيش مخيم النازحين السوريين في المنطقة واعتقل العشرات، وسُجّلت حالات تعذيب بحقّ البعض.
مشيّعون يحملون رفات الجندي اللبناني محمد حمية الذي أعدمه مسلّحو "جبهة النصرة" في الأسر عام 2014 - AFP
وقعت بين 2013 و2015 تفجيرات عدة في بيروت وضاحيتها وكذلك في منطقتي البقاع والشمال، تبنّاها تنظيما "داعش" و"جبهة النصرة"، وحصلت إثرها اعتقالات لمتهمين بالمشاركة فيها أو بالإعداد لها أو لتفجيرات أخرى لم تحصل. قتلت هذه التفجيرات أكثر من 200 شخص وأصابت أكثر من 1,500 آخرين.
تركّزت معظم التفجيرات في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت، وتمّت من خلال سيارات مفخخة وهجمات انتحارية استهدفت مناطق سكنية، كما استُهدف محيط السفارة الإيرانية والمستشارية الثقافية الإيرانية في أطراف بيروت.
وشهدت مدينة طرابلس تفجيرين كبيرين في مسجدي "التقوى" و"السلام" قتلا 50 شخصًا وأوقعا أكثر من 500 جريح، واتُهم النظام السوري السابق بالوقوف وراءهما. كما تبنّت "جبهة النصرة" تفجيرًا آخر في منطقة جبل محسن.
أمّا منطقة البقاع، فشهدت تفجير سيارات مفخخة وهجمات انتحارية استهدفت حواجز عسكرية للجيش اللبناني في الهرمل وعرسال ولقوى الأمن الداخلي على الطريق الدولية بين لبنان وسوريا.