فضل شاكر في غيابه

مسلسل "يا غايب" عن مسيرة انتهت، يأمل فضل شاكر أن تعود أو يحلم بذلك على الأقل. آخر كلمة يقولها "الغايب" في المسلسل: "راجع". كأنّه، وبالتعاون مع بلد الإنتاج وفريقه، يحاول تمهيد الطريق لذلك.

"معقول ملك الرومنسية إرهابي؟"

سؤالٌ دفع الصحافية مايا للاهتمام بإعادة فتح قضية المغنّي فضل شاكر. يشغلُ بالها سؤال آخر: "بماذا أحسّ فضل؟".

يثيرها الفرق بين عينيه في مرحلتين. فتطلب من زميلها التمييز بين كمية العنف والشر في فيديو يحمل فيه السلاح ويهدِّد فيه بالقتل، وكمية الإحساس في حفلة غنائية سبقت اعتزاله.

"شايف الفرق، مش معقول!"، ينهي تعجّبُ الصحافية المشهدَ. 

في مسلسل يحمل عنوان أغنية شهيرة لفضل شاكر، "يا غايب"، عرضت منصة "شاهد" السعودية سيرة الفنان الذي يواجه حكمًا غيابيًا بالحبس 22 سنة مع الأشغال الشاقة بتُهمٍ عدة. اتهم القضاء العسكري اللبناني شاكر بالانتماء إلى "عصابة أشرار" إثر معركة "عبرا" قرب مدينة صيدا الجنوبية في العام 2013، بين مجموعة مسلحة تابعة للشيخ أحمد الأسير والجيش اللبناني.

 تبدو الأحداث مرافعة قضائية مصوّرة يمكن تقديمها في حال قرر شاكر تسليم نفسه للقضاء. يتنقل المسلسل بين مقابلة تجريها الصحافية مع فضل شاكر وبين مشاهد تمثيلية تحاكي سرده لقصّته. وخلال رحلة بحث عن تاريخ المغنّي/"الإرهابي"، تقابل الصحافية عائلته.

لا خط سردي زمني واحد في المسلسل. تتنقل المخرجة فاطمة رشا شحادة بين محطات مختلفة من حياة الفنان "الغايب". يبدأ المشهد التمثيلي الأول في دار رعاية اليتيم ويصوّر المشهد الثاني فقر الحالة المادية لوالديّ المغنّي قبل إرساله إلى الميتم. 

"لم تكن طفولتي سهلة". حزينًا يخبرنا فضل. يتكرر توقفه المفاجئ عن الكلام ويطأطئ رأسه ويغمض عينيه ويُطلَقُ العنان للموسيقى الحزينة.

تتقاطع ظروف الطفولة مع مستقبل فضل في "عبرا". يتبع مشهدُ حمل السلاح في العام 2013 ذكرى لفضل خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 1982 حين كان في منطقة تعمير عين الحلوة (بالقرب من المخيم الفلسطيني).

تتخطّى المخرجة ــــ فنيًا ــــ هذا التقاطع بين المرحلتين فتجعلُهما متماهيتين. على درج واحد في مخيم عين الحلوة، يجتمع "الفضلان": الطفل الهارب من الميتم مختبئًا من أصوات القصف، والرجل الهارب خلال معركة "عبرا". على الدرج نفسه، يقعد الممثلان، الطفل والشاب، حزينين يائسين ــــ كأن البراءة نفسها.

بين الأفعال والأحاسيس فصل قاطع. لا يُأشكل فضل حملَ السلاح بل يعتبره مجرد رد فعل: "ليس الأذى من طبعي. كنت أنفعل بالكلام". يتراجع عن مهاجمته الحادة ــــ سابقًا ــــ للقضاء اللبناني: "كان كلام زعل وتعصيب".

يستطلعُ شاكر رأي الشعب "اللبناني" ويطلب جوابًا على سؤاله: ماذا تفعلون إن كنتم مكاني؟ هل توقّعَ جوابَ "كما فعلت"؟

بكلمتين، يصفُ الفيديو الذي ظهر فيه مع مجموعة مسلحين يعلن فيه - سعيدًا - قتلهم شخصين (أسماهم "فطيستين"): "فشة خلق". يحاول بطل الفيديو ومصوره، كلّ على حدة، نفي أي علاقة بقتل عناصر من الجيش اللبناني. المفارقة أنّ هذا الفيديو ليس أساس التهم الموجهة ضده. 

لا أصدقاء. كلّهم "وحوش". طلب من الله أن يبعد عنه "أولاد الحرام"، فلم يبقَ أحد في حياته.

تحمل إحدى حلقات المسلسل التسع عنوان "الأشخاص الغلط" لتحصر مشكلة فضل بهؤلاء؛ من أقارب ورفاق وإعلاميين وفنانين. يلومهم الإعلامي جمال فياض، في مقابلة ضمن المسلسل، على قرارات فضل: "ناقصهن شويّة ثقافة" فهم "يطبّلون" له ولا ينهونه عن أفعاله.

وفي علاقة شاكر ــــ الأسير، الأخير هو من يُلام. يحاول المسلسل أن يظهر هشاشة هذه العلاقة في مشهد خلافٍ بين الاثنين على "سلميّة" نشاطهما. تختصر الصحافية علاقتهما بجملة كأنها حقيقة لا لبس فيها: "فضل يستفيد من حماية الشيخ والشيخ يستفيد من شُهرة فضل". قبل 12 سنة، قال فضل في مقابلة مع تلفزيون "الجديد": "الشيخ أحمد بِمون على دمي وروحي ورقبتي". 

يطرحُ فضل أساس التهم الموجهة ضده: "بسبب إنسانيتي سمّيتوني إرهابي". في لقطتين، يشاهد فضل المجازرَ في سوريا على هاتفه، ليقولَ في المقابلة إنّ تلك جعلته "خارج السيطرة" دون تحديد معنى الأخيرة.

يُملى على المشاهد السؤال الواجب توجيهه للمتهم.

"أحد لم يسأله السؤال الصحيح"، تقول الصحافية مبررة اندفاعها. تنتقل الشاشة، مباشرةً، إلى المقابلة، فيحدد فضل ذاك السؤال: "لماذا دخلتُ إلى المخيم؟ وإلى متى سأبقى هناك؟".

يستطلعُ، لاحقًا، رأي الشعب "اللبناني" ويطلب ــــ مرارًا ــــ جوابًا على سؤاله: ماذا تفعلون إن كنتم مكاني؟ أريد أن أعرف كيف تتصرفون؟".

هل توقّعَ جوابَ "كما فعلت"؟

في العادة تنتج أعمال سينمائية أو تلفزيونية عن حياة الفنانين، إمّا بعد موتهم إحياءً لذكراهم أو بعد مسيرة طويلة وغنية. لم تكن مسيرة فضل الغنائية طويلة وما زال حيًّا يُرزق في مخيم "عين الحلوة".

المسلسل، إذًا، عن مسيرة انتهت، يأمل أن تعود أو يحلم بذلك على الأقل. آخر كلمة يقولها "الغايب" في المسلسل: "راجع". كأنّه، وبالتعاون مع بلد الإنتاج وفريقه، يحاول تمهيد الطريق لذلك، ويهرع ابنه ليطلب من "العهد الجديد" في لبنان (متمثلًا برئيسي الحكومة والجمهورية) مساعدة والده. ربما، استلهمت "شاهد" وشاكر من تجربة "الجولاني ــــ أحمد الشرع" أو عوّلت على تغيرات المنطقة.

يعزم فضل على طي صفحة الماضي. يريد إبطال التعقبات بحقه من المجتمع والجمهور قبل القضاء، لا البراءة. 

يظهر بين مشاهد المسلسل حادثة قد توهم بوجود ضحية:

تذهب الصحافية لمقابلة والدة طفل قُتل، بطريقة أو بأخرى، بسبب شاكر. تستنكرُ الأم السؤال عن يوم مقتل ابنها في حين أنّ "المجرم تُكتب عنه الصفحات والمقالات". تستدرك الصحافية: "أنا لا أحاول أن أبرّر له (لفضل)". تُظهر الأم صورة ابنها وتقول: "كان يحبّه ويسمع أغانيه ويرقص عليها". ينتهي المشهد بعد جملة الأم ليظهر فضل من جديد متحدّثًا، بحزنٍ، عن إحدى ذكرياته المؤلمة. أيٌّ الضحية، هنا؟

ينفي المسلسل احتمال أن يرتكب فضل، عمدًا أو عن غير عمد، أيّ خطأ. وإن شكّك أحد بذلك، يقدم الفنّان مداخلته القاطعة: "إن أضأتُ أصابعي العشرة لكم، لن تصدّقوني، ولكن هذه هي الحقيقة". 

هل من مستقبل لملكة جمال التفّاح؟

سيكون التفّاح من أكثر المنتجات الزراعيّة تضررًا من ارتفاع درجات الحرارة وتفاقم الآثار السلبيّة لتغيّر ال...

ماهر الخشن
ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة: هل ستقبل الحكم؟

بُذلت جهود مختلفة لتقديم شكاوى وأدلة ضد إسرائيل إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة. إثبات المسؤولية الجرمية...

ماهر الخشن
المحرومون من الرعاية الصحية في لبنان

يحتاج حوالي مليوني شخص في لبنان إلى خدمات صحية إنسانية في العام 2022 في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي...

ماهر الخشن

اقرأ/ي أيضًا لنفس الكاتب/ة