الكارثة الإيكولوجية الحضارية المستبدّة بسوريا والمهدّدة للبنان 

مع الحرب السورية والتدهور المريع في الفلاحة وأنظمة الري، وتسليم المدن الأساسية لمسلّحي "النصرة" والفانتازيا "النيو أموية"، باتت الكارثة الحضارية التي أصابت البلاد مطابقة تمامًا لكارثتها الإيكولوجية.

لبنان، هذا البلد الجبلي الصغير المطلّ على شرق المتوسّط، إن لم يُدبَّر أمرُه ويُتدبّر، فسوف يقع مجدَّدًا في براثن "بلاد الشام"، على قولةٍ ملغّزة، مُبهَمة، مطلسَمة، للأميركي اللبناني الأصل، الطوراني الهوى، طوم براك، سبقت جردة تصعيد وتنكيل استهدفت هذه المرة دروز السويداء في الجنوب السوري، بعدما دارت كأس "ارفع رأسك فوق" على بلدات الساحل السوري وكنيسة الدويلعة وأشرفية صحنايا وجرمانا، وقدّمت فكرة، يُفترض أنها باتت كافية، عن نظام السؤدد والعزة والكرامة والحرية والصدق الذي ينعم به برّ الشام اليوم.

اضمحلال اللغة

لكن، أي إدبار؟ وفي أي اتجاه يكون العدوُ بالتحديد؟

إرجاف اللبنانيين، بدعوى أن بلدكم – إن لم تُقدِموا – سيتساقط بين أيدي "بلاد الشام"، كم يحمل، في الوقت نفسه، من استهتارٍ بسوريا ذاتها؟ تقديمها كقدوة؟ هيهات.

ذلك أن الأميركيين، بعد حكّام الخليج، قرّروا رعاية "الحلّ الجولاني" – الكارثي والمستحيل في نهاية المطاف – لمشكلتها. حلُّ المشكلة التي اسمها سوريا، برجمها، بإماتتها، بتدمير الحوض الذي يمكن من خلاله التداول بين أبنائها، تسميةُ الأشياء أو تبديلُ أسمائها؟ تدميرُ اللغة؟ بمعنى جعل مفرداتها وصيغها بلا معنى؟ ربما كان هكذا.

فأيُّ لغةٍ تبقى للسوريين، حين يُسمّون تنظيم "القاعدة"، المتغندر عند كل تقليعة، بأسماء متبدّلة: من "فتح الشام"، إلى "تحرير الشام"، إلى "الجمهورية العربية السورية"، إلى "هوية بصرية" تحمل بصمات فانتازيا "الرايخ... الرابع"؟

ذاك الذي بدأ يستفحل في الأيام "البعثية"، من اضمحلال لجدوى اللغة، من انفصالها عن الواقع، من "الاحتفاظ بحق الرد" أبدًا، و"الرسالة الخالدة"، تجدّد بعد ذلك في أيام الحرب الأهلية وحروب التدخّل، حين انفصل مسمّى "الثورة" عن واقع "الثوار"، الموزّعين بين المنافي، والمُستبدَلين بـ"ثوّار" سلفيين جهاديين "على الأرض"، لا يعرفون سبيلًا لمحاربة الطغيان الأسدي، سوى بتكفير وتحليل دم من ظلّوا إلى يومنا هذا ــــ حتى وهم يتوزّعون بينهم المناصب الوهمية في الدولة السورية الوهمية ــــ يسمّونهم، بحمولة سلبيّة تحريضيّة مستمدّة من فتاوى ابن تيمية، "النصيريين"، واستعادة فتاويه ضد الدروز من بعد ذلك، فضلًا عن الاستفزازات اليومية في حضرة السيدة زينب وفي باب توما.

أمّا اليوم، فكم بقي من إمكانٍ لحوض اللغة في سوريا؟

النكبة لم تَعُد شرخًا بين الكلام وواقع الحال، بل غدت معاكسةً كاملة، وعلى طول الخط، بمعناها الهزليّ المرّ، لمعاني ودلالات الأشياء.

إنّ أخطر ما في الطغيان بحلّته الجديدة، ليس تغوّله، بل انفجار اللغة وبوارها تحت ظله.

فالطغيان الأسدي كان يستثمر في قدراته على التخويف والترهيب، أمّا الطغيان الجولاني، فيستثمر في إدارة الجنون، سواء على مستوى الأنسجة المجتمعية، أو "أكواريوم" الناشطين.

بعض هؤلاء يئسَ في السنوات الأخيرة من حُلم العودة إلى بلده، سوريا، ومعلوم اليوم أنه كي يمكث فيها مجددًا عليه "ملاقاة" نظام الحكم الجديد، الذي ليس له من علامات الحكم غير الاستيلاء. 

والحال أن كل تضحية بحق البوح يمكن أن تجد مسوغها في أهمية العودة كمكسب بالنسبة لهؤلاء. لا يلغي ذلك في المقابل "الضريبة على العقل". فمن فخّخ السيارات وأرسل الانتحاريين لعشرين مضت، في العراق والشام، يُفخخ لهم اللغة.

هؤلاء الناشطون الذين كانوا لا يرضون بأمير حرب "معتدل" في إجرامه وتطرفه كزهران علوش، تراهم اليوم يتمرسون في "أدب المناشدة" لأمير الاستيلاء الجولاني، ولا يخبرونا من نصبه رئيسًا. أقله حافظ وبشار الأسد كانا يزعمان أنهما يستمدان شرعيتها من استفتاء شعبي، ومن حزب ــــ مصفاة طليعية ــــ للقوى الشعبية. أقله من حيث الديكور. أما عند "الجولاني - الشرع" [سوبرمان / نبيل فوزي] الاستفتاء شرك، والانتخابات شرك، ولا شرعية إلا بالسيف، ومع ذلك يحدثهم عن "فجر الحرية" ويتطوعون لبث هذا الكلام، ورمي من لا يجاريهم بحب الأقليات، واللاواقعية. مع تحفظهم هنا على خطأ تقني يرتكبه ــــ من بطانة "دولة التنظيم" الحالية ــــ في مقابل "تنظيم الدولة" ("داعش") سابقًا. تحفظات وتجاوزات؟ صارت اللغة قائمة تمامًا على النحو المعكوس، على طول الخط.

كيف يدرك لبنان أن الخطر الإيكولوجي ــــ الحضاري يتهدده من الشرق، في الوقت الذي يختل فيه الميزان، من جهة الجنوب، لصالح إسرائيل؟

وما غير الجنون، صالحٌ للاعتقاد بأنّ مجاهدًا من الأويغور، من إقليم كسينجيانغ الصيني، يجسّد "الدولة الوطنية" في سوريا، في مواجهة دروز السويداء كجماعة "خارجة على القانون" في البلاد التي كانت، وأمست بعد أكثر، بلا "قانون" ولا "دستور" ولا "شريعة"؟ 

سوريا التي... 

إن التهديد بـ"إرجاع" لبنان، كليًا أو جزئيًا، إلى "سوريا"، يذكّر، من حيث الرمزية، بالتهديدات الإسرائيلية المتكررة بـ"إرجاعه إلى العصر الحجري". في كلا الحالتين، لا يتأسّس التهديد على تقييم إيجابي للجهة المرجوّ الإرجاع إليها، بل على نفيها ونبذها. فلو كانت سوريا، في وضعها الراهن، نموذجًا يُحتذى، لما كانت مصدر تخويف للبنانيين، ولما اتّخذ التهديد بعودتهم إليها طابع الوعيد.

فـ"سوريا" ــــ كما تُستحضر اليوم في المخيال السياسي اللبناني ــــ ليست كيانًا طبيعيًا سابقًا على لبنان، بل مفهومٌ حديث النشأة، تبلور أواخر القرن التاسع عشر، ضمن أفق النهضة العربية. وقد ساهم "الفرع اللبناني" من هذه النهضة، انطلاقًا من بيروت، في صياغة ملامح هذا التصوّر للفكرة السورية، بوصفها هوية منشودة متجاوزة للمحليات الضيقة، والعدائية الوطيدة بين الجماعات الدينية المختلفة. لكن سوريا المعلم بطرس البستاني ليست نفسها سوريا شادي الويسي وسراج الدين مختاروف. 

وأنا واقف على رابية من روابي ضهور الشوير، تساءلت قبل أيام، هل كان أنطون سعاده يرى في سوريا الطبيعية ذلك المشهد الوديع لغابات الصنوبر أمامه؟ 

هذا السؤال، المطعم بالساركازم ــــ مع شيء من الذاتية اللبنانوية ــــ ، لا يخلو ــــ بعد التنبه ــــ من إشارة إلى خطورة بالغة. فالهلال الخصيب "كما كان" في مطلع القرن الماضي، لم يعد كما هو في عصرنا هذا. ليس فقط بسبب التراجع الحاد في زخم التنوع الاثنوــــ ديني ونسبه، ولا فقط بسبب الانكماش المهول لنسبة المسيحيين في العراق وسوريا خلال مئة عام، ولا فقط بسبب ضمور معالم الكوزموبوليتية [المدائنية] التي كانت تسم العيش والتصرف والتنقل بين الموصل وحلب ودمشق وبيروت وحيفا والقدس وبغداد والبصرة، بل لأن الكارثة الإيكولوجية الكبرى التي تحلّ بالمنطقة باتت واقعًا لا يُمكن فصله عن أي حديث سياسي أو جيوسياسي. وهي كارثة متمددة تفرض على لبنان تحديات وجودية لا تحتمل التأجيل، لا يمكن فصلها تمامًا عن التحدي، الانعكاسي لها، إلى حد كبير، والمتمثل بالتجربة المرة التي تقاسيها سوريا والمشرق الآن، تجربة نظام الاستيلاء الذي يحاول تنظيم القاعدة "المتحوّر" فرضه على سوريا، انطلاقًا من العرض الذي يقدمه: "الإمارة الجهادية" المندمجة بالامبراطورية الأوليغارشية العالمية، بدلًا من مقاتلتها بلا طائل. 

لبنان بلد تحدّه صحراء متمدّدة 

فلبنان بلدٌ لن تحدّه شرقًا، أو تتوغّل إليه، وهي بالفعل تتسرّب إليه أكثر فأكثر، سوى الصحراء المتمادية، في هذا القرن.

هذا إن استمرّت ــــ وهي تتفاقم أكثر وأكثر، عامًا بعد عام ــــ آليات الانهيار الايكولوجي، من دون قدرة بشرية على معاكستها. تلك الآليات يمكن إجمالها تحت عنوان مزدوج: توسّع البادية السورية ــــ العراقية على حساب المناطق الزراعية، وانهيار التوازن البيئي الذي كان قائمًا قبل نصف قرن ضمن البادية نفسها.

فالبادية "القديمة" كانت أرضًا قاحلة، لكنها تتسم بغطاء نباتي صحراوي هش، ولم تكن تربتها ملوثة كيميائيًا بهذا الشكل. أما البادية "الجديدة"، والتي لا تنفك تتمدد فقد تجدبت أكثر فأكثر وتسممّت تربتها بشكل يضيّق الخناق نهائيًا على أنشطة الرعي. النباتات الصحراوية كانت تثبت التربة، تخفف من التبخر، واندثارها سرّع من التملّح والانجراف. التدهور طويل الأمد في خصوبة التربة جعلها غير قادرة على احتضان الحياة النباتية.

"جبهة النصرة" لا تستوفي شروط العصبية الخلدونية، وحبّ أميرها للملك من طينةٍ تُضادّ العمران، بمُركّبيْه المتداخلين: الإيكولوجي والحضاري

في سوريا ــــ والعراق ــــ يهدّد موت التربة بموت العمران. ثنائية "البدو والحضر" الذي قام عليها العمران "المشرقي" تضمحل. عندما لا يكون مكان للبداوة الرعوية في البوادي، ما عساها أن تكون أنشطة "الحضر" والشروط التي من خلالها يعيدون انتاج حياتهم المادية والاجتماعية ووعيهم لما يجمعهم وما يساعد على استمراريتهم؟

زراعاتهم "المطرية" في طور الانقراض، بسوريا من بعد العراق. الاعتماد المتزايد على الري غير المستدام، وانخفاض المياه الجوفية، وتدهور نوعية التربة، ساهم في تقليص إنتاجية الأرض. يتضافر هنا الاحتباس الحراري الكوكبي مع التملح والاجهاد المائي وتحريق الغابات وترك الأراضي الزراعية تبور نتيجة للنزوح القسري بسبب الحرب، مع سياسات "البعث" التجديبية. ذلك أن "الطفرة الانتاجية" الزراعية في زمن حافظ الأسد ترتب عليها دفع ثمن جحودها بشروط التجدد البيئي.

في فترة الأسد الأب، جرى التركيز على تأمين الكفاية الزراعية ــــ وهذا طموح مشروع لأي بلد نام ــــ إنما من دون اعتبار لقدرات التربة الموارد المائية، وقد فاقمت السدود التركية المشكلة. شجّعت الدولة السورية زراعة محاصيل تحتاج إلى مياه كثيرة مثل القطن والقمح، خصوصًا في مناطق مثل الحسكة ودير الزور، وهي مناطق شبه جافة بطبيعتها. حُفرت عشرات آلاف الآبار الارتوازية العشوائية، ما أدى إلى استنزاف طبقات المياه الجوفية بمعدلات أعلى من تجددها. الكفاية كانت على حساب الاستدامة. ورّث حافظ الحكم لنجله، وورثه مصيبة إيكولوجية. 

عودة إلى ما قبل الثورة الزراعية النيوليتية 

أما في الربع القرن الذي يفصلنا عن وفاة حافظ الأسد، فقد تفاقمت الكارثة، إذ ارتبطت بالتغيرات المناخية ــــ الحرارية، وبسياسات تزداد استهتارًا بمقوّمات البقاء لدى الفلاحين والمزارعين، فضلًا عن الحرب الطويلة والمدمّرة والمهجِّرة، وانعدام التوازن في مواجهة تركيا، التي باتت تقرر، من غير مساءلة، كم يحقّ للسوريين والعراقيين ــــ وهما شعبان فراتيّان إلى حد بعيد ــــ من مياه نهر الفرات.

في سوريا، وخصوصًا في مواقع مثل تل المريبط وتل أسود وتل الرماد، عُثر على دلائل الزراعة المبكرة تعود إلى ما بين 9000 و7000 ق.م، وتشمل استئناس القمح والشعير والعدس وسائر البقوليات، فضلًا عن تدجين الأغنام والماعز، وبناء البيوت الطينية. كانت أقوام هذه البلاد في أوائل من دشّن "الثورة النيوليتية"؛ الخروج من عصور القنص والاكتفاء بالصيد وجمع الثمار إلى الزراعة والتوطّن. وكان مناخ سوريا وتربتها ملائمين، قبل عشرة آلاف عام، لانبثاق تلك الثورة.

ما بين اعتماد سياسات كفاية استنزافية على حساب التربة والأجيال المقبلة، في عهد حافظ الأسد ــــ برغم كل الخطابات الرنانة عن "الأبد" الزائل ــــ وما أضيف إليها من جرعات نيوليبرالية وعشوائية في عهد وريثه، مرورًا بالحرب السورية والتهجير الجماعي والتدهور المريع في الفلاحة وأنظمة الري، ثم تسليم المدن الأساسية لمسلّحي "جبهة النصرة" والفانتازيا "النيو أموية"، فإن الكارثة الحضارية التي أصابت البلاد باتت مطابقة تمامًا لكارثتها الإيكولوجية.

المناخ شأن كوكبي، أما التربة ــــ تلك التي أنجبت الثورة الزراعية النيوليتية ــــ فقد بات من المتعذر استصلاحها، بل صار إحياؤها ضربًا من العبث واليأس.

هل ثمّة في لبنان من يحلم فعلًا بالانضواء في التجربة الجولانية؟ لا يبدو أنهم كثر، لكن يبدو أنّ أمامهم فراغًا قد يسهّل تحرّكهم

وعليه، فإن ما يواجهه لبنان اليوم ليس مجرد خطر أمني، بل خطر حضاري ــــ إيكولوجي مزدوج: ضرورة صدّ ليس فقط امتداد التجربة "الجولانية" إليه، بل أيضًا التصحر والتملّح وبوار التربة، التي تشكّل الإطار العميق لتلك التجربة، وتمنحها طاقتها الاستكمالية، في مشروع جعل سوريا مكانًا غير قابل للعيش ــــ كما دشنه الأسديون.

بهذا، يوضع لبنان أمام تحدٍّ مزدوج: كيف لا يعيش وهم أنه قائم في فضاء آخر؟ وكيف يدرك أن الخطر الإيكولوجي ــــ الحضاري يتهدده من الشرق، في الوقت الذي يختل فيه الميزان، من جهة الجنوب، لصالح إسرائيل، وبمعيّة الولايات المتحدة؟

هنا، طوم باراك على حق: ليس أمام اللبنانيين وقت كثير قبل صياغة تصور شامل لطبيعة المخاطر المحدقة، ودمج الخطر الجيوبوليتيكي بالحضاري والإيكولوجي. وهذا، بالضرورة، يقتضي إعادة إنتاج الوطنية اللبنانية، ولكن بشروط هذا القرن وتحدياته القاسية، وبالتفتيش عن توازن في داخله، توازن ليس فقط بين "مكوناته"، بل بين الأخذ بالاعتبار بالمخاطر التي تستشعره، بطبيعة الحال، بشكل ومنسوب مختلف، كل واحدة من هذه المكونات.

فالمحيط يزداد قتامةً وصعوبة. عناصر المناعة الداخلية مهلهلة، لكن حواجز الجبال، ومعدل الأمطارــــ برغم تراجعه الخطير هذا العام ــــ ما زالا قادرين على تأخير زحف التصحر. وبعضٌ من إرادة المعاندة لأجل الحياة، من الأجدر ألا نبدّدها.

اللا-عمران 

هل ثمّة، في هذا اللبنان، من يحلم فعلًا بالانضواء في التجربة الجولانية؟ لا يبدو أنهم كثر. لكن يبدو أنّ أمامهم فراغًا قد يسهّل تحرّكهم، وحساباتٍ شعوذية قد تُغري آخرين بـ"الرهان" على من لا يسمّونه بالاسم الذي أغدقه طويلًا على السوريين: "أميرنا الملا"، الذي "لم يتخلّ عن دينه"، الى آخرة الأهزوجة القاعدية التي تضمنت "إرهابنا محمود دعوة إلهية".

وما يحلّ بالعلويين والدروز والمسيحيين في ظل تجربة أمير الاستيلاء، لا يمكن فصله عن تناقض أعمق: التناقض بين ما يمثّله هو، وبين شروط تجدّد العمران.

فـ"جبهة النصرة" لا تستوفي شروط العصبية الخلدونية، تلك التي تنتقل من عالم التوحّش إلى عمرانٍ يتساقط فيه المُلك بعد أن أُترع من مآدب البلاط وتراخى عصبه، فيؤتى له بعصب جديد لا يلبث أن يفتك به إغراء المُلك. حبّ أميرها للملك من طينةٍ تُضادّ العمران، بمُركّبيْه المتداخلين: الإيكولوجي والحضاري.

فبعدما كان التفاوض في إثر مؤتمر مدريد يدور حول الانسحاب الاسرائيلي "من" أو "في" الجولان، انحدرت الأمور الى التفاوض في الأشهر الماضية حول الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي جرى التوسع اليها بعد سقوط النظام الأسدي، "حتى" الجولان.

اليوم، تستفيد إسرائيل من واقعتين، واقعة استيلاء تنظيم "القاعدة" المتحوّر والتقسيمي بالضرورة للسوريين، وبين المسألة الدرزية التي عملت عليها الحركة الصهيونية منذ عشرينيات القرن الماضي. هذا كي يصير لإسرائيل منطقة نفوذ موطّدة جنوب دمشق.

هذا بحد ذاته تفجير كياني لسوريا، ونظام الاستيلاء غير قادر غير على الرضوخ لها، وإظهار عمقه اللاوطني بامتياز، بأبعاد الكلمة كافة، سواء لجهة استهتاره بالتنوع الديني والمناطقي في الداخل، أو عجزه المتفاقم في الأمور السيادية. أما العصبية، فلا تبنى بالخطابية التفوقية النيو ــــ أموية نفسها.

هنا تحديدًا يقع الجولاني في ما حاول زج السوريين به، جميعًا: الجنون. هذا في مرحلة لم يعد للسوريين كثير وقت لمواجهة التداعيات المزيدة للانهيار الإيكولوجي للتربة والزرع وأسباب العمران معطوفًا على الضمور الحضاري. 

تان تان في عصر الغافام

ماذا لو ظهر تان تان، الشخصية التي تُعد من أبرز وجوه القرن العشرين الخيالية، في عصر البيانات الضخمة، والتح...

وسام سعادة
"تحالف الأقليات": نظرية العرقين على الطريقة الأموية الجديدة

يُلاك مفهوم منذ مدة طويلة: "تحالف الأقليات"، وأنه يجب على الأقليات كي تكون في مأمن أن لا تسعى لأن تتوالف....

وسام سعادة
البدعة الأموية الجديدة في سوريا

هل تستقيم الحالة "النيو ــــ أموية" في سوريا اليوم مع التاريخ الإسلامي ومع تعريف الجماعات الجهادية لنفسها...

وسام سعادة

اقرأ/ي أيضًا لنفس الكاتب/ة