ثوابت ومرتكزات في استراتيجيّة الأمن الوطني اللبناني

أُعدّت هذه الوثيقة عبر مبادرة مستقلّة كإسهام في النقاش المُحتدم حول استراتيجيّة الأمن الوطني في لبنان. والوثيقة هي استكمال لجهد أنتج في 29 أيّار/مايو 2025 وثيقة تحت عنوان "المقاومة المسلّحة في لبنان: ضرورة وطنيّة وقيمة استراتيجيّة". ننشرها هنا باسم الموقّعين.

توطئة

في الخامس من آب/أغسطس 2025، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني تكليف الجيش وضع خطّة لنزع سلاح المقاومة خارج إطار استراتيجيّة أمن وطني. عَكَس هذا القرار غياب حسّ المسؤوليّة الوطنيّة لِما يترتّب عليه من تداعيات خطيرة على أمن لبنان واستقراره، خصوصًا في ظلّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانيّة واستمرار اعتداءاته الوحشيّة بحقّ المواطنين وأرضهم وممتلكاتهم.

أطاح القرار الحكومي بالوعود التي أطلقها رئيس الجمهوريّة جوزاف عون في خطاب القسم ورئيس الوزراء نوّاف سلام في البيان الوزاري حول ضرورة إقرار استراتيجيّة أمن وطني، فأشعل أزمة ثقة من الصعب ترميمها. وأتى إعلان الحكومة اللاحق بإقرار "أهداف الورقة الأميركية" ليكشف تخلّيًا فاضحًا عن سيادة القرار اللبناني لمصلحة إملاءات خارجيّة تسعى إلى زرع الفتنة وتحقيق ما لم يتمكن الكيان الإسرائيلي من تحقيقها منفردًا.

في ظلّ تقاعس الدولة عن أداء واجبها لناحية وضع استراتيجيّة دفاعيّة متكاملة تستجيب للمخاطر التي يواجهها لبنان بدلًا من تلبية المطالب التي فرضتها الوصاية الأميركيّة، ونظرًا إلى خطورة المرحلة التي يعيشها الوطن، تبرز أهمّية الجهود الشعبيّة والوطنيّة لطرح تصوّر متكامل ومبتكر حول مرتكزات أو ثوابت استراتيجيّة أمن وطني للبنان.

في ما يلي رؤية لتلك المرتكزات، لا للاستراتيجيّة نفسها، نطرحها أمام الرأي العام للاطّلاع والمناقشة:

تهدف استراتيجيّات الأمن الوطني إلى تمكين الدولة من مواجهة التهديدات القائمة والاستعداد لإدارة التحدّيات التي قد تنشأ مستقبلًا. ثم إنّ استراتيجيّات الأمن الوطني هي الأساس لاستراتيجيّات وطنيّة فرعيّة منها، على وجه التحديد، الاستراتيجيّة الدفاعيّة. إنّ إدراك التحدّيات والتهديدات هو مُرتكز استراتيجيّات الأمن الوطني التي ينبغي أن تُؤطّر وتُعرّف هذه التهديدات والتحدّيات وتُحدّد أدوات القوّة الوطنيّة المطلوبة ومكامنها للتعامل معها ومواجهتها.

وبما أنّ الموارد محدودة دائمًا، فإن استراتيجيّة الأمن الوطني تصنّف التهديدات تِبعًا لأولويّتها، وذلك ربطًا بمدى خطورة هذه التهديدات وتأثيرها، وكذلك درجة إلحاحها وراهنيّتها. من هنا، تكون الأولويّة لمواجهة التحدّيات والمخاطر والتهديدات القائمة. مِثال على ذلك الاحتلال الإسرائيلي القائم والاعتداءات الإسرائيليّة اليوميّة، التي تتطلّب تضافرًا فوريًّا للجهود الوطنيّة لمجابهتها.

بناءً على ما تقدّم، إنّ استراتيجيّة الأمن الوطني اللبناني هي مرجعٌ سياديٌّ شاملٌ يهدف إلى تشخيص التهديدات الداخليّة والخارجيّة التي تواجه لبنان ووضع تصوّر متكامل وواقعي لمواجهة تلك التهديدات بما يضمن حماية اللبنانيين وصون كراماتهم والحفاظ على سيادة لبنان على كامل أراضيه وعلى وحدته واستقراره الداخلي.

وتنطلق استراتيجيّة الأمن الوطني اللبناني من ظروف وخصائص جغرافيّة وتاريخيّة وجيوسياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة وثقافيّة. ومن ذلك أن لبنان دولة صغيرة بموارد طبيعيّة محدودة ومُجاور لكيان متوحّش، ومُختَرَق من بُنى استعماريّة منذ تأسيسه ومُنقسِم طائفيًّا وهشّ سياسيًا وفاشل إداريًّا وتُهيمن عليه شبكات من الامتيازات الماليّة والاقتصاديّة المرتبطة بمراكز رأس المال العالمي.

أولًا: ثوابت في السيادة

● تشكّل القيم الوطنيّة الأساس الذي تُبنى عليه استراتيجيّة الأمن الوطني، وتنبع بشكل أساسي من وثيقة الوفاق الوطني والدستور اللبناني والمواثيق العالميّة التي تؤكّد سيادة الدولة واستقلالها ووحدة أراضيها وقرارها الحرّ، وعلى أنّ الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة وله الحقّ في الحياة الكريمة، وأنّ الدفاع عن الوطن حقٌّ سياديٌّ؛ وأن حقّ اللبنانيين في الدفاع المشروع عن أرضهم ومواردهم لا يُساوَم عليه لا سيّما متى كانت عُرضة للعدوان والاحتلال.

كما إنّ المساواة بين اللبنانيين تشمل الإحساس بالأمن، فأمن مواطني المناطق الحدوديّة هو بأهمّية أمن أيّ منطقة أخرى من لبنان. تهدف استراتيجيّة الأمن الوطني لحماية المصالح الوطنيّة المُستمدّة من هذه القِيم الوطنيّة، وحشد عناصر القوّة الوطنيّة كلها وتضمينها في استراتيجيّات الدولة المتفرّعة عن استراتيجيّة الأمن الوطني.

● إنّ الدولة القويّة والمستقلّة والعادلة هي المفوّضة في العقد الاجتماعي احتكار العنف للقيام بواجب الدفاع عن الوطن والشعب، وهو تفويض مشروط يحقّ للشعب استرداده بحال أخلّت الدولة بالتزام الدفاع. إنّ الظروف الموضوعيّة المرتبطة بالاحتلال الإسرائيلي وموازين القوى التقليديّة وطبيعة النظام اللبناني دفعت إلى إقرار كل الحكومات المتعاقبة منذ اتّفاق الطائف بشرعيّة المقاومة. وقد تضمّن اتّفاق الطائف قِسمًا خاصًّا لتحرير الجنوب من الاحتلال وإزالته بطريقة شاملة، منفصلًا عن قِسم بسط سيادة الدولة الذي تضمّن أن الدولة تقوم بذلك بشكلٍ تدريجيٍّ بواسطة قواها الذاتية.

وقد تضمن بيان اللجنة الثلاثية العليا الصادر في جدّة بتاريخ 24-10-1989 أن اللجنة "تشيد بالمقاومة البطوليّة التي يقوم بها الشعب اللبناني في الجنوب ضد الاحتلال الإسرائيلي". وأقرّت كل الحكومات المتعاقبة منذ الطائف شرعيّة المقاومة في ظل وجود الاحتلال وقد نجحت هذه الصيغة بتحرير لبنان وردع العدوان الإسرائيلي منذ عام 2000، وحتّى حين اختلّ الردع في عام 2024 تمكّنت المقاومة من التصدّي للغزو البرّي الإسرائيلي. كما جدّد الرؤساء الثلاثة في اجتماعهم الاستثنائي في 18 شباط/فبراير 2025 "تأكيد حقّ لبنان في اعتماد كل الوسائل لانسحاب العدوّ الإسرائيلي".

● لا تقتصر السيادة الوطنيّة على احتكار العنف فقط (التفسير الويبري، نسبة لماكس فيبر) بل أيضًا على رفض التدخّل الخارجي (التفسير الويستفالي). إنّ غياب السيادة نتيجة التدخّلات الخارجيّة هو السبب الجوهري لضعف الدولة وعجزها عن تحقيق احتكار العنف. وبالتالي، فإن فرض السيادة الداخليّة "الويبرية" في غياب السيادة الخارجيّة "الويستفالية" لا يؤدّي إلّا إلى تقويض الدولة وتعريض شعبها للخطر — وهي نتيجة بالغة الخطورة بالنظر إلى أنّ الغاية الأساسيّة من وجود الدولة ليست الحفاظ على نفسها كغاية بحدّ ذاتها، بل حماية شعبها وخدمته.

● إضافة إلى ذلك، فإنّ فكرة الدولة البيروقراطية المحايدة والمستقلة عن مكوّناتها والمتجاوزة لها، لا تنطبق على لبنان، الذي هو في الواقع حصيلة توازنات بين فاعلين سياسيين ــــ طائفيين متنافسين، مع ترسّخ المقاومة اليوم داخل بنيته. إنّ أيّ محاولات من الداخل لمواجهة هذه المقاومة تنطوي على خطر إحداث شرخ سياسي واجتماعي، ما يجعل هذه التصوّرات المثاليّة إشكاليّة نظريًّا ومُزعزِعة للاستقرار عمليًّا.

● إنّ تكامل الجهات الحكوميّة وغير الحكوميّة في حمل المسؤوليّات الوطنيّة في الدفاع العسكري ضمن استراتيجيّة رسميّة موحّدة تحقّق المصلحة الوطنيّة، يمثّل في ظل الظروف القائمة الإطار الأكثر عمليّة وفعاليّة لحماية أمن لبنان وسيادته ورفاهيّة الشعب وكرامته ومصالحه. تتناسب هذه المُقاربة مع الترتيب الناجِع الذي تكرّس على عقود بين الدولة والمقاومة وهو ينسجم مع المفهوم النظري المُسمّى "السيادة الهجينة" والتي هي خيار مُلائم جدّاً للدول خارج مركز النظام الدولي حيث توجد خصوصيّات مرتبطة بالانكشاف أمام البُنى الاستعماريّة، ورأس حربتها في حالة لبنان هو الكيان الإسرائيلي.

حتّى إنجاز هدف بناء قوّات لبنانيّة مسلّحة قادرة على حماية لبنان، تُعدّ المقاومة الشعبيّة المسلّحة مكوّنًا مركزيًّا في الأمن الوطني

ثانيًا: التهديدات والتحديات

● الخطر الإسرائيلي يحلّ على رأس الأخطار التي تواجه لبنان. الكيان الإسرائيلي هو كيان استعماري استيطاني توسّعي وعنصري وإبادي. وبذلك هو تهديدٌ وجوديٌّ واستراتيجيٌّ وداهمٌ ومتواصلٌ على لبنان وسيادته ووحدته وأمنه ومصالحه وثرواته وسلامة أراضيه، واستقلاله السياسي، واستقراره الاقتصادي، وهويّته الثقافية، وحياة شعبه. وبهذا المعنى لا وجود لتهديد آخر مماثل للبنان، وعلى هذا الأساس يجب أن تُصاغ جوانب الأمن الوطن اللبناني كافّة، ويكون ذلك جزءًا من مُدخلات صناعة القرار في مؤسسات الدولة كلّها. وبالتالي، يجب أن يكون تحديد الخطط والموارد والوسائل اللازمة لمواجهة هذا الخطر على رأس أولويّات استراتيجيّة الأمن الوطني.

● اللامساواة الاجتماعية والتنازع الطائفي أبرز تهديدين داخليين. إنّ التمترس خلف هويّات فرعيّة أحاديّة (طائفيّة ومذهبيّة) ينهش من الهويّة الوطنيّة ويفكّك التماسك الوطني ويُضعف المِنعة الاجتماعيّة ويقوّض مفهوم الدولة والثقة بها ويشرّع الأبواب للانخراط في مشاريع القوى الخارجية والاستقواء بها. التهديد المالي والاقتصادي يتمثّل في تركّز الثروة والمستويات القياسيّة من اللامساواة وطغيان الريوع وانتشار الامتيازات، والاندماج المُشَوّه في النظامين المالي والاقتصادي العالمي والتضييق المالي الأميركي، كل ذلك يجرّد لبنان من سيادته الاقتصاديّة والماليّة ويعطّل نهوضه ونموه.

● الأنشطة الأمنيّة التي تستهدف زعزعة استقرار لبنان وإيذاء مواطنيه من قِبَل جهات داخليّة وخارجيّة بدوافع سياسيّة تشكّل خطرًا إضافيًا عابرًا للحدود. وتتزايد حِدّة هذا الخطر في ظلّ الأجندات الخارجيّة التي تستهدف لبنان والفوضى التي تنتشر في محيطه المجاور.

● اللجوء الفلسطيني والسوري: يشكّل كل من اللجوء الفلسطيني والسوري تحديًّا للبنان لناحية وجود مشاريع تهدف إلى إضاعة حقّ الفلسطينيّين والسوريّين في العودة إلى بلادهم وكذلك بسبب الظروف الصعبة التي يعيشون فيها. يضاف إلى ذلك محاولات الاستثمار الأمني الدائم بهذه المجتمعات لتقويض الأمن اللبناني.

ثالثًا: مواجهة التهديدات ــــ المسارات العسكريّة

● إنّ مهمّة مواجهة الخطر الإسرائيلي، وسائر التهديدات، تقع أساسًا على عاتق المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة الرسميّة. ونظرًا إلى الهوّة التسليحيّة الهائلة بين الجيش اللبناني وجيش الكيان الإسرائيلي، يُعتبر تعزيز الجيش اللبناني تعزيزًا حقيقيًّا وتمكينه من أداء دوره الدفاعي بقدرات متطوّرة قادرة على ردع الخطر الإسرائيلي ضرورةً قصوى. كما يوجب هذا اللاتماثل في القوّة الماديّة تمتين عقيدة الجيش الوطنيّة، بما فيها التشديد على أنّ الكيان عدوٌّ وجوديٌّ، ويوجب كذلك ضمان استقلاليّة مؤسّسته وخضوعها حصرًا لقرار سلطة سياسيّة لا تخضع للإملاءات الخارجيّة والحسابات الفئويّة.

إنّ من مستلزمات هذا الدور للجيش اللبناني ضمان مرونة تسليحيّة عبر: (1) العمل على توسيع مروحة الخيارات في ما خصّ مصادر السلاح و(2) الاستثمار في حقل التكنولوجيا الدفاعيّة والأمن السيبراني، لا سيّما بالتعاون مع دول صديقة والقطاع الخاص اللبناني والكفاءات اللبنانيّة.

● حتّى إنجاز هدف بناء قوّات لبنانيّة مسلّحة قادرة على حماية لبنان، تُعدّ المقاومة الشعبيّة المسلّحة مكوّنًا مركزيًّا في الأمن الوطني وأحد أركان منظومة الدفاع عن لبنان الفعّالة. وقد واجهت المقاومة قوّات الاحتلال في عدد كبير من الانتهاكات والاجتياحات بعد عام 1948 وصولًا إلى دحره من بيروت وصيدا والجبل بعد اجتياح 1982 ثم فرضت التحرير في أيّار عام 2000 وأسهمت بشكل كبير في تحقيق توازن الردع وفرض معادلات حماية للبنان منذ ذلك الحين بما في ذلك صدّ الغزو الإسرائيلي في عام 2024.

● يُحدَّد دور المقاومة ضمن استراتيجيّة دفاع وطني متكاملة، توفّق بين مقتضيات السيادة، ومتطلّبات الردع، وضرورات الوحدة الوطنيّة. وفي إطار تلك الاستراتيجيّة تعمل المقاومة والمؤسّسة العسكريّة بتكامل وفق عقيدة عسكريّة محدّدة وضمن معايير سياديّة تهدف إلى تحقيق أقصى درجات الفعاليّة والردع. إن هذه السيادة المشتركة تحقّقت واقعًا وشرعيًّا لعقود في لبنان وكان لها تأثير وازن في حفظ السيادة الوطنيّة تجاه العدوان الخارجي.

إنّ الاتّفاق على هذه الرؤية للنظام السياسي يضبط المخاوف المتبادلة ومنها أن يوظِّف طرفٌ ما الصراع مع العدوّ الإسرائيلي للتغلّب على طرف محلّي آخر

رابعًا: مواجهة التهديدات ــــ المسارات غير العسكريّة

● وجود سياسة خاصة للمناطق الحدوديّة مع فلسطين المحتلّة تهدف إلى: (1) تثبيت المواطنين اللبنانيين فيها بتوفير المستلزمات الأمنيّة والاقتصاديّة والتنمويّة لذلك. إنّ الأنشطة الاقتصاديّة والتنمويّة في هذه المناطق بحاجة إلى رعاية رسميّة خاصّة، إذ قد يُحجِم السكّان أو المستثمرون والقطاع الخاص عن العمل فيها، كما إنّها بحاجة إلى مُنشآت مُحصّنة لحماية المدنيين في حالات الطوارئ والتصعيد المحدود. (2) إقامة نموذج أمني دفاعي خاص في تلك المنطقة.

● في السياسة الخارجيّة ــــ إقامة العلاقات الخارجيّة اللبنانيّة على قاعدة محوريّة الخطر الإسرائيلي، فتكون السياسة الخارجيّة منضبطة باستراتيجيّة الأمن الوطني وفي خدمتها. وعلى هذا الأساس تصبح مستلزمات الدفاع وبناء القوّة وإيجاد عمق استراتيجي بوجه كيان العدوّ مدخلًا أساسيًّا في علاقات لبنان وسياسته الخارجية. وهنا نشير إلى واجب جامعة الدول العربية وفق عقد الجامعة ومعاهدة الدفاع العربي المشترك بأن تسهم في ردع العدوان الإسرائيلي لا سيّما بعد ما قام به لبنان من أدوار تاريخيّة في سبيل الأمن القومي العربي.

وفق ذلك تصبح الدولة اللبنانية أمام واجب تطوير رؤية للأمن الإقليمي وبناء استراتيجيّات مشتركة مع دول المنطقة التي تتبنّى رؤيتها للتهديد الإسرائيلي، جزئيًّا أو كليًّا. وممّا يمكن للسياسة الخارجيّة المساهمة فيه في سبيل ذلك: (1) بناء تحالفات وشراكات مع دول وجهات رسميّة وشعبيّة نتشارك معها مصالح ورؤى في مواجهة التهديد الإسرائيلي، (2) إقامة صِلات مع فواعل مؤثّرة في سياسات كيان العدوّ، (3) تأمين مصادر للسلاح النوعي، (4) جذب خبرات وقدرات تصنيعيّة وتكنولوجيّة ذات توظيف أمني وعسكري، (5) عقد تحالفات دفاعيّة، (6) بناء تأثير في المؤسّسات الدوليّة والإقليميّة، (7) التواصل مع النخب والجمهور العالمي للدفاع عن الموقف اللبناني (مع دور أصيل للاغتراب اللبناني)، (8) نسج العلاقات مع القوى الكبرى بشكل متوازن قدر الإمكان، (9) ترسيخ العلاقات السياسيّة والعسكريّة مع العمق المشرقي الاستراتيجي، و(10) تجنّب الاصطفاف في الصراعات بين دول المنطقة، متى كانت منفصلة تمامًا عن مواجهة التهديد الإسرائيلي.

● في إصلاح النظام السياسي ـــ الحاجة إلى نظام سياسي يقوم على مبادئ دولة لا طائفيّة ترتكز على أسس المواطنة والمساواة والعدالة والاستقلال وفق ما ورد في اتّفاق الطائف، تنبثق فيها السلطة عن نظام انتخابي خارج القيد الطائفي يعزّز المحاسبة الشعبيّة ويكرّس هويّة وطنيّة غير إقصائيّة وتعدّديّة وقادرة على التفاعل الإيجابي مع الهويّات الأخرى.

على هذا النحو يمكن أن تتماسك الهويّة الوطنيّة ويُضبط الاستقطاب الهويّاتي ويسهم ذلك في تقديم الهويّة اللبنانية على نقيض المشروع الصهيوني، أي هويّة تعدّدية ومتآخية مع محيطها المشرقي ومتجذّرة عربيًّا ونابذة لأشكال العنصريّة وأوهام التفوّق القومي والإرهاب كافّة. إنّ هذه الصياغة للهويّة الوطنيّة توجب إعادة بناء عمليات التنشئة الاجتماعية والتربويّة وتكييفها وتعديل برامجها ومشاريعها ومصطلحاتها وأدبيّاتها.

إنّ نظامًا كهذا سيكون قادرًا على تحييد الصراعات والتنافسات الداخليّة عن المجال الدفاعي وقادرًا على صياغة استراتيجيّات وسياسات وبرامج وطنيّة لمواجهة العدوّ. لكي يتحقّق ذلك ينبغي أن ينطلق هذا النظام السياسي من توافق وطني حول خصائص هذا العدوّ بكونه تهديدًا وجوديًّا واستراتيجيًّا وداهمًا ومتواصلًا، وبجعل مواجهته والتصدّي له ورفض التطبيع معه رفضاً مطلقاً خارج حسابات توازن القوى المحلّية. وعليه، تصبح مواجهة هذا التهديد في صلب الهويّة السياسيّة لهذا النظام.

إنّ الاتّفاق على هذه الرؤية للنظام السياسي يضبط المخاوف المتبادلة ومنها أن يوظِّف طرفٌ ما الصراع مع العدوّ الإسرائيلي للتغلّب على طرف محلّي آخر. ومع تحييد هذه المخاوف يتّسع مجال العمليّة السياسيّة المحليّة بما يعزّز إمكانيّة تطوير النظام ليراعي تمثيل مصالح وطنيّة أوسع. يقع التعامل مع تحدّي اللجوء الفلسطيني والسوري في هذا المضمار والذي يجب أن يتضمّن منح الحقوق المدنيّة والإنسانيّة للمجتمعات اللاجئة والنازحة وتأكيد العمل الحثيث لضمان حقّها في العودة إلى بلادها.

● في السياسة الإعلاميّة ــــ صياغة خطاب إعلامي وتأطيره قانونيًّا بما يتناسب مع مركزيّة التهديد الإسرائيلي. عبر الإعلام يتمّ تقديم العدوّ بطريقة محدّدة للمواطنين وبناء وعي تجاهه لناحية مخاطره وأهدافه العدوانيّة وسياساته مقابل تفعيل مواقف الدولة وسياساتها تجاه العدوّ، وتعبئة المواطنين. وعبر الإعلام يجري الردّ على حملات العدوّ الإعلاميّة والمعلوماتيّة ومخاطبة الرأي العام الخارجي بما يدعم المصالح الوطنيّة المُقرَّة.

كلّ ذلك يوجب إعلامًا مسؤولًا وتشريعات قانونية تتيح تنظيم الخطاب الإعلامي تجاه العدوّ في أوقات الهدوء والطوارئ والحرب وتمنح سلطات رقابيّة وتوجيهيّة للأجهزة الرسميّة ذات الصلة - لمحاسبة من يروّج للعدو أو يسهم في حربه النفسية والمعلوماتية ــــ دون المساس بالحرّيات الإعلامية ومنها حرّية الرأي وحرّية التعبير.

● في السياسة الاقتصاديّة ــــ بناء اقتصاد صمود وإنتاج. يتطلّب ذلك تنويع مصادر الدخل القومي، وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، وتقليل التبعيّة للخارج عبر تنويع الشركاء الاقتصاديّين وفتح أسواق جديدة. إنّ هذا يعني أيضًا بطبيعة الحال الحاجة إلى اقتصاد لديه مقدار من المرونة مع حالات التوتر والتصعيد والحرب المحدودة على الأقلّ. هذا الاقتصاد ينبغي أن يستند إلى تطوير القطاعات الإنتاجيّة بشكل عادل وفعّال، وإلى القدرة على تحقيق مقدار من النموّ بما يتيح تحسين الإنفاق العسكري وإقامة بنى دفاعيّة.

كما ينبغي أن يستند إلى تعزيز القطاعات التي يمكن دمجها في الجوانب العسكريّة لا سيّما التكنولوجيا والذكاء الصناعي، وإلى المرونة أمام الضغوط من الأطراف الدوليّة الحليفة لكيان العدوّ الإسرائيلي، وإلى المساهمة في تشبيك المصالح مع الدول التي نتشارك معها طبيعة التهديد الإسرائيلي، وإلى المساهمة كذلك في تعزيز الاستقرار الداخلي عبر إعادة توزيع الثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية على الصعيد التعليمي والطبابي ممّا يعزز دمج اللبنانيين بشبكات مصالح عابرة للطوائف وللمناطق. وهنا من الضروري إيجاد استراتيجيّة وطنيّة للاستفادة من رأس المال الاغترابي في الاستثمار الوطني ونقل الخبرات والكفاءات.

● في السياسة الماليّة ــــ تأمين الاستقرار المالي والمصرفي والنقدي. إنّ سياسات لبنان النقديّة والماليّة، مع بعض الاستثناءات، هي سياسات تقشّفية تراعي مصالح طبقة ثريّة واحتكاريّة على حساب الطبقات الوسطى والعاملة. عبر عقود، أدّت هذه السياسات، بما فيها سياسات الدين العام وسعر الصرف والنظام الضريبي والهيكليّة المصرفيّة، إلى مزيد من تركّز الثروة والبطالة والإفقار وإلى اختلال فاضح في الميزانيّة العامّة. وقد تفاقمت تداعيات هذه السياسات في ظلّ الحصار والتضييق الماليَّين فجاءت نتائج الانهيار المالي عام 2019 كارثيّة. لم يُدمّر انهيار النظام المصرفي الاقتصاد المحلّي فحسب، بل خلق أيضًا نقاط ضعف جيوسياسيّة استغلّها العدوّ.

لذلك يجب القيام بإصلاح مالي شامل يبدأ باستعادة أموال المودعين ومحاسبة أصحاب المصارف والسياسيين المتورطين في هدر المال العام وسرقة المال الخاص، ويُستكمل بإعادة هيكلة المصارف عبر التصفية والدمج ووضع نظام ضريبي أكثر عدالة، وسياسة ائتمان تنمويّة وسياسة نقديّة تحفّز التصدير بدلًا من الاستيراد. وينبغي أن يشمل هذا المجال منح القطاع المالي مرونة أمام الضغوط الماليّة الخارجيّة باعتماد وسائل متنوّعة للشراكات والأدوات الماليّة.

 

الموقّعون:

آمال خليل، أريج أبو حرب، أحمد الشهّال، أنور ياسين، أمل سعد، الأمجد سلامة، أيوّب ناصيف الحسيني، إبراهيم الحلبي، إبراهيم حنّا الضهر، ألان علم الدين، بسّام الحدّاد، بسّام الهاشم، بدر الحاج، بشير أبو زيد، بشير سعادة، بيار أبي صعب، بيسان طيّ، توفيق شومان، جعفر فضل الله، جاد ملكي، جمال واكيم، جود قادري، حبيب فيّاض، حسام مطر، حسن الدرّ، حسن علّيق، حسن محمّد الحسيني، حسن محمّد قبيسي، خريستو المر، دايان درويش، داوود نوفل، رافي مادايان، رانية المصري، رامي زريق، ربيع الدبس، ربيع بركات، رفعت بدوي، رضوان مرتضى، رندلى جبور، روني ألفا، زهير برّو، زهير فيّاض، زياد الحافظ، زينب الصفّار، ساسين كوزلي، سوسن صفا، شارل أبي نادر، طلال طه، طنّوس شلهوب، عادل قديح، عبادة كسر، عبدو سعد، عبدالله محي الدين، عبد الملك سكريّة، عرب لطفي، عزّة الحاج سليمان، علي نصّار، علي هاشم، علي وهبي، عمر نشّابة، عيسى نحّاس، غالب سرحان، غسّان جواد، فاديا بزّي، فاتن المرّ، فِداء أبي حيدر، فِداء عبد الفتّاح، فرج الأعور، فرح أبي مرشد، فراس خليفة، فارس أبي صعب، قاسم غريّب، قاسم قصير، كابي الخوري، ليلى حب الله، ليلى غانم، لينا الطبّال، لور أبي خليل، مالك أبي صعب، مالك أبو حمدان، مايا مجذوب، محمّد قاسم، مجدولين درويش، منى ضاهر، منى سكريّة، منى فرح، مهى زراقط، نبيل الجمل، نجيب عيسى، ندى صعب، نقولا أبو مراد، نهوند القادري، نور القادري، نعمت بدر الدين، هادي عيد، هالة أبو حمدان، هالة جابر، هلا عواضة، هشام صفيّ الدين، هدى رزق، يحيى اللّهيب، يوسف جابر، محمّد غريّب، طارق بشاشة.