تحت إدارة "جهاديين" ومهرّبي مخدرات: مستقبل إسرائيلي لغزة؟

هل تعمل عصابة أبو شباب المصممة من قبل الاحتلال نفسه وفق نظام السلطة الفلسطينية؟ أم أن جناحًا ما قرر الاجتهاد وحده؟ ومن هي الدولة العربية التي تدعم هذه العصابة؟

تجلّت خلال الساعات الماضية بعض ملامح تصورات الاحتلال الإسرائيلي للإدارة المدنية لقطاع غزة، بعد أن كشف رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان عن تسليح الجيش الإسرائيلي لميليشيا محلية في رفح، جنوبي القطاع، على رأسها مسلح له سجل جنائي حافل، ويساعده عناصر "أطلقت الصواريخ على إسرائيل"، وأخرى "حاربت الجيش المصري في سيناء". 

أحرجت تصريحات ليبرمان الحكومة الإسرائيلية التي اضطرت إلى التعليق على الأمر، إذ قال بنيامين نتنياهو نفسه إن "هذه الخطوة جاءت بناءً على نصيحة مسؤولين أمنيين (...) ما العيب في ذلك؟ إنه أمر جيد".

خلال ساعات، انشغلت صحافة العدو الإسرائيلي والصحافة الأميركية بالموضوع. وبدأت ملامح العصابة التي يريد الاحتلال استنساخها في بيت لاهيا وفي وسط القطاع، تمهيدًا لتعميمها في المناطق كافة. هكذا، أخذت الميليشيا تعلن عن نفسها باسم "القوات الشعبية"، لها قائد هو ياسر أبو شباب، ومساعد هو غسان الدهيني، ومدير عمليات هو عصام النباهين، فيما تخطط لاختيار متحدث رسمي باسمها.

"فتحاوي" و"داعشي" ومهرّب مخدّرات

تطرح خلطة قادة الميليشيا الثلاث الكثير من التساؤلات، إذ تأتي خلفية كل منهم من مكان متناقض.

لم يرتبط اسم ياسر أبو شباب قبل أسابيع سوى بملاحقته كمهرّب مخدرات مسجون في قطاع غزة. ثم، بعد ذلك، مع هروبه مع عشرات السجناء، بينهم عصام النباهين، إثر استهداف الاحتلال الإسرائيلي المقارَ الأمنية والشرطية، بدأ تداول أخباره المتعلقة بنهب المساعدات الشحيحة التي كان الاحتلال يسمح بمرورها في أوقاتٍ نادرة.

أخذ نشاط أبو شباب يتوسّع، فضم نحو 300 عنصر، ووثّق علاقاته مع المنظمات الدولية وقوات الاحتلال على حد سواء، إذ أفادت الصحافة الإسرائيلية أنه "قدم خدمات أمنية لشاحنات الصليب الأحمر والأونروا والأمم المتحدة، لكن، في الواقع، كان أبو شباب يتاجر بالبضائع تلك، حتى أن مصدرًا في الأمم المتحدة ذكر أن اسمه ورد في مذكرة داخلية كأحد المسؤولين عن نهب المساعدات على نطاق واسع".

وبعد أكثر من عام على بداية الحرب، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وصلت قوات حركة "حماس" إلى أحد مقار تمركز أبو شباب وعناصر مليشياته، وبعد تبادل لإطلاق النيران نجا ياسر من الاستهداف، فيما قُتل اثنان من عصابته، بينهما شقيقه فتحي. 

ساعد بعدها أبو شباب قوات الاحتلال على تقطيع أوصال القطاع. فأشرف بنفسه على قطع إحدى الطرق المؤدية إلى خان يونس، ثم ظهر بعدها برفقة قوة مستعربين إسرائيلية استهدفتها المقاومة الفلسطينية شرقي رفح، حيث تتمركز عصابته بالقرب من معبر كرم أبو سالم، المعبر الوحيد الذي يسمح الاحتلال بعبور المساعدات الإنسانية منه. 

وبرغم ظهور أبو شباب في بعض المقابلات الصحفية ونفيه صلاته بالاحتلال، إلا أن تمركزه بالقرب من القوات الإسرائيلية في الميدان، مُسلّحًا ببنادق خفيفة وأخرى للاشتباك، بالإضافة لما أعلنته "كتائب القسام" عن معاونته قوة من المستعربين، كل ذلك دفع عائلته، المتفرعة من قبيلة الترابين البارزة، إلى إعلان براءتها منه. إذ أفادت بأنها دعمته في البداية بعدما ادعى حماية قوافل المساعدات، غير أن تسجيلات موثقة من المقاومة أظهرت تورطه مع تشكيلات المستعربين، وتوّعدت بملاحقته ومحاسبته وطالبت كل من يصل إليه بإهدار دمه.

كشف مراسل القناة 14 الإسرائيلية عن "خطة نتنياهو السرية لمواجهة حماس" عن طريق ميليشيا أبو شباب التي "تنخرط دولة عربية في تأهيلها وتدريبها"

إن كانت علاقة أبو شباب بالسلطة الفلسطينية قائمة على الانتماء العائلي التاريخي، فإن صلة الضابط السابق في الشرطة الفلسطينية غسان الدهيني، الذي يعمل حاليًا مساعدًا لأبو شباب، تمرّ عبر الارتباط التنظيمي والصلة الوظيفية، إذ عمل في شرطة السلطة غير الصلات الشخصية المباشرة مع النافذين في المخابرات الفلسطينية مثل العقيد بهاء بعلوشة. 

وعلى مدار شهور الإبادة، لم تُعرف نشاطات واضحة للضابط السابق، وتخصّصت حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في مهاجمة كل من حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وتحمليهم مسؤولية الحرب. كذلك، كان من الداعين البارزين لخروج تظاهرات شعبية في القطاع منددة بحركة "حماس"، ومطالبةً إياها بالخروج من القطاع. غير أن أعدادًا محدودة فقط شاركت في تلك التظاهرات، واستمرت التحرّكات لأيام قبل أن تختفي تمامًا. 

ومع انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في أذار/مارس الماضي، ظهر الدهيني إلى جوار عناصر ملثمة تابعة لعصابة أبو شباب، معلنًا بعض التوجيهات حول مناطق آمنة مزعومة، أو التفاصيل الخاصة بتوزيع المساعدات الواصلة عن طريق "مؤسسة غزة الإنسانية" ــــ وهي شركة أميركية خاصة تأسست لهندسة آلية توزيع المساعدات الإنسانية الشحيحة بعيدًا عن "حماس" ــــ وراح يروّج، بعد فشل تلك الآلية، أن "حماس" هي من أفشلها، ولتلك المؤسسة والآلية ذكر لاحق. 

ومع تداول أخبار عدة في الإعلام الإسرائيلي عن وقوف "دولة عربية" وراء عصابة أبو شباب، لجهة التدريب والإمداد، دون تسميتها، نشر الدهيني مقطعًا مصورًا يظهر فيه حاملًا سلاحًا آليًا، وبجواره سيارة نقل تحمل لوحات "الشارقة 98281" الإماراتية. 

وكان مراسل الشؤون العربية في القناة 14 الإسرائيلية، باروخ ياديد، قد كشف في تقرير مطوّل حول الموضوع عن "خطة نتنياهو السرية لمواجهة حماس" عن طريق ميليشيا أبو شباب، التي "تنخرط دولة عربية في تأهيلها وتدريبها"، وباتت تتخذ من رفح مقرًا لها تحت حماية الجيش الإسرائيلي، مع وجود علاقة مباشرة لها بمستشار أبو مازن، محمود الهباش.

العنصر الثالث في العصابة، مسؤول العمليات عصام النباهين، له قصة أكثر تعقيدًا. إذ جاء ذكر عصام لأول مرة في العام 2015 بعد وقوع سلسلة تفجيرات استهدفت خمسة من القادة البارزين في "كتائب القسام". حينها، ألقت المقاومة الفلسطينية القبض على أحد المتورطين في العملية، ليُرشدها إلى 6 من أعوانه هم فادي الحجار، ومصطفى نواف، ونادر بسام، ومحمد شحدة الدلو، وعبد الرحمن أبو مغيصب، ومحمد جمال أبو دلال، وأخيرًا عصام النباهين. 

انتهت التحقيقات وقتها بانتقال الستة إلى شبه جزيرة سيناء، وهناك انضموا إلى "ولاية سيناء"، الفرع المصري لتنظيم "داعش"، في هجماته ضد الجيش والشرطة والمدنيين المصريين. وبعد شهور، قتلت قوات الجيش المصري كلًا من فادي حجار ونادر بسام ومحمد أبو دلال، وتضاربت الأخبار حول محمد شحدة الدلو، إذ أعلن الجيش المصري مقتله في سيناء، بينما قالت عائلته إنه قُتل أثناء مشاركته في القتال الأهلي في سوريا. أما عصام النباهين فاختفت أخباره. 

خطة احتلال غزة تقوم على إخضاع الناس لعصابات يختلط فيها الجهادي بشبكات تهريب المخدرات ببقايا "سلطة أوسلو"

عصام، شأنه شأن كثيرين ممّن انخرطوا في نشاط الجماعات الجهادية، كان له سجل جنائي حافل يتمثل في أكثر من 10 قضايا سرقة ونهب. وقد تجدد التداول باسمه في حزيران/يونيو 2023 حين علمت شرطة غزة بمكان تواجده، وحاولت القبض عليه، غير أنه فر بعدما قتل الشرطي خالد مصلح. لكن، بعد أيام، تمكنت الشرطة من إلقاء القبض عليه وتسليمه للقضاء الذي حكم عليه بالإعدام شنقًا. غير أنه تمكن من الفرار مع الاستهداف الإسرائيلي للمقار الأمنية الفلسطينية، لينضم بعد ذلك إلى عصابة ياسر أبو شباب. 

ماذا عن الأميركيين؟

لا يتوقّف السياق الأوسع لعصابة أبو شباب عند الاستخدام الإسرائيلي، أو تعاون السلطة الفلسطينية، أو الدعم المحتمل من دولة الإمارات. بل يتّسع كذلك ليضم صلة مباشرة بين تلك العصابة والآلية الأميركية العاملة في الميدان على توزيع المساعدات الإنسانية، بالطبع وفق مخططات التجويع ونقل السكان الإسرائيلية. 

وبرغم أن "مؤسسة غزة الإنسانية" تستخدم شركات أميركية خاصة للعمل على تنفيذ خططها في القطاع، إلا أن الشركات العاملة تلك لا تبدو سوى غطاء لأعمال أبعد من أعمال "الشركات الناشئة".

ويعمل مع المؤسسة كل من شركة Safe Reach Solutions (SRS)، وشركة The UG Solutions. 

تأسّست الأولى قبل شهور معدودة، مع اقتراب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي انهار في آذار/مارس الماضي، ونقلت أكثر من 1000 عنصر غالبيتهم جنود سابقين في الجيش الأميركي إلى القطاع. أسّس الشركة فيليب ريلي، وهو يعمل كمدير تنفيذي لها. وريلي موظف سابق خدم في وكالة المخابرات المركزية الأميركية لمدة 29 سنة، وكان رئيس محطة أفغانستان في "السي آي إيه"، وخدم قبل ذلك في القوات الخاصة في الجيش الأميركي. يعاونه جو ليتوال بوظيفة كبير المخططين، وقد كان سابقًا عضوًا في فرقة القتال والاشتباك الفتاك في وزارة الدفاع الأميركية، وكذلك كيفين سوليفان، الموظف السابق في "السي آي إيه" لأكثر من 20 سنة، ويعمل حاليًا مديرًا أول للعمليات في الشركة، إلى جانب تقديم الاستشارات الأمنية للشركات الخاصة والمنظمات غير الحكومية. 

أما شركة UG Solutions، فأسسها جيمس جيوفاني عام 2023. وكان جيوفاني يعمل جنديًا في القوات الأميركية الخاصة Green Beret، وساهم في إعداد برنامج لتدريب جنود العمليات الخاصة على مراقبة "الخلايا الإرهابية" وكشفها، ويمول الشركة بشكل مباشر عدد من رجال الأعمال الإسرائيليين.

وسط هذه السياقات كلها، تزداد الصورة تعقيدًا كل ساعة، وتنهال المزيد من التساؤلات التي تسحب المزيد من الحقائق معها: أتعمل العصابة المصممة من قبل الاحتلال نفسه وفق نظام السلطة الفلسطينية؟ أم أن جناحًا ما قرر الاجتهاد وحده؟ من هي الدولة العربية التي تدعم عصابة أبو شباب؟ ولماذا احتفظ عناصر العصابة باللوحات الإماراتية على سيارتهم؟

ربما تأتي الأيام القادمة بمزيد من الانكشاف أو تتأخر. غير أن الثابت في كل هذا أن خطة الاحتلال لغزة، التي ربما تأتي في سياق "وجه جديد للشرق الأوسط" بتعبير نتنياهو، يضم "أصدقاء إسرائيل في حلف واحد"، تقوم على إخضاع الناس لعصابات يختلط فيها الجهادي بشبكات تهريب المخدرات ببقايا "سلطة أوسلو"، وكل هذا يعمل لخدمة أمر واحد هو حفظ أمن دولة الاحتلال، وإخضاع السكان للجوع والتهجير القسري والهزيمة النهائية.