شهادات ممّن تعرّضوا لانتهاكات في ريف حمص الغربي

ننقل في هذا التقرير شهادات من قرية مريمين في ريف حمص الغربي عن سكان تعرّضوا لانتهاكات من قبل مجموعات مسلّحة وكانوا شاهدين على أخرى.  

عند الساعة 12 ظهرًا بتوقيت ريف حمص الغربي، من يوم الخميس 23 كانون الثاني/ديسمبر 2025، عادت الذاكرة إلى 25 أيار/مايو 2012، يوم ارتكبت قوات موالية للنظام السابق مجزرة الحولة التي راح ضحيتها أكثر من مئة شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، وكانت أسوأ المجازر المرتكبة بحق المدنيين حتى تلك اللحظة (دعا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حينذاك إلى إجراء تحقيق خاص فيها): انتهاكات وجرائم قتل (على نطاق أضيق مما حصل في الحولة) من أشخاص مختلفين هذه المرة، وتحت مظلّة مختلفة. 

معظم الذين قُتلوا يوم الخميس في قرية فاحل ـــ إحدى قرى الريف الحمصي ـــ كانوا عسكريين سابقين وفق ما أفاد بيان صادر عن "مجموعة السلم الأهلي في حمص". لكنّ موقع "الجمهورية" عاد ونقل عن مسؤولين في "إدارة العمليات العسكرية" إقرارهم بأن أيّ اشتباكات لم تندلع في القرية، وبأن "القتلى كانوا عزّلًا وجرى اعتقالهم وتصفيتهم خارج القانون". 

طالت الحملة العسكرية مجموعة من القرى في ريف حمص الغربي. هذه شهادات من قرية مريمين ننقلها عن سكان تعرّضوا لانتهاكات وكانوا شاهدين على أخرى: 

دخل نحو مئة عنصر أو أكثر من فَصيلي "أبو سياف" و"أبو خالد"، وفق شهود عيان، من مدخل قرية مريمين بالرشاشات والدوشكا، أي من ناحية قرية فاحل، وبدأت الحملة.

أول بيت دخله المسلحون يقع جنوب القرية هو بيت فادي (اسم مستعار - 37 عامًا) وهو من الطائفة المرشدية. يروي لنا قائلًا: "سألني أحد المسلحين إن كنت في الجيش وطلب من زوجتي وأطفالنا الخروج إلى الشارع، ثم طلب مني إنزال صورة الإمام ساجي المرشد من على الحائط. أنزلتها ووضعتها على الطاولة، فطلب مني الدوس عليها وهو يشتم الطائفة. رفضت وفتحت صدري للسلاح، فانهال علي بالضرب. وعندما تدخل أبي وأخي، انهال عليهما بالضرب بعصا في رأسها دبابيس".

يضيف: "عندما تدخّل مسن من الطائفة العلوية محتجًا، انهالوا عليه بالشتائم، ثم أطلقوا عليه النار بالروسية في رجليه ومؤخرته، وتركوه في الشارع". يقول فادي أن مشاهد إهانات مشابهة تكررت في الكثير من المنازل التي يسكنها أبناء الطائفة المرشدية، ترافقت مع إصرار على دوس صور الإمام المرشد، وهو أمرٌ أيّدته شهادات أخرى.

الممتلكات كلها "غنائم"

لم تكن الحملة على مريمين طائفية فحسب، بل كانت انطوت على سرقات ممنهجة للمتلكات، تحت مسمى "غنائم".

تقول نعيمة (اسم مستعار - 72 عامًا): "دخلوا منزلنا بعدما أخرجونا، أنا وأولادي، إلى الشارع. قلبوا ما في البيت والخزائن، وسرقوا 11 مليون ليرة سورية، وكان هذا حال الكثير من المنازل في القرية".

أما علي (اسم مستعار - 35 عامًا)، وهو شاب مدني لم يسبق له تأدية الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، فيروي أن العناصر لدى دخولهم بيته ضربوه أمام أولاده ووجهوا له ولطائفته الإهانات، ثم أخذوا 5 عبوات زيت من بيته، سعة كل عبوة منها 16 كلغ.

محمود (اسم مستعار - 40 عامًا)، في المقابل، كان متطوعًا في الجيش السوري. وقد أجرى تسوية قبل فترة وجيزة استجابة لما طلبته "الإدارة العامة". وحين أبرز الورقة التي تُفيد بذلك، طلب منه أحد العناصر أن "ينقعها ويشرب ماءها"، ثم ضُرب وزُجّ في شاحنة "بيك آب" مع آخرين، واقتيدوا إلى خارج القرية وهو يضربون بالكبال.

وقد اتفقت روايات من تحدثنا إليهم على تفاصيل محدّدة منها: "شلّحوا النساء مصاغهن الذهبي ووضعوا الأسلحة في رؤوسهن وساوموهن على أولادهن مقابل الذهب".

الحكومة تعترف

بعد انتهاء العملية العسكرية، تجمع أهالي قرية مريمين في ساحة البلدية وانضم إليهم أهالٍ من القرى المجاورة التي تعرض أهلها لانتهاكات مشابهة: فاحل، وشين، وقصرايا، وقرمص، والشنية، والقناقية، وعكاكير، وقرمص، والشرقلية، ونظّموا وقفات خارج القرية أمام مبنيي محافظتي حمص ودمشق، تنديدًا بـ"الحملة انتقامية"، ليتوجه موفد من محافظة حمص ومعه آخر من قيادة الشرطة ويجتمع بالأهالي.

يشرح زاهر (اسم مستعار) الذي حضر الاجتماع الأول أن "الأهالي طلبوا المحاسبة العلنية، وردّ المسروقات، والإفراج عن المعتقلين ومحاسبتهم أمام القضاء، وقد وُعدنا خيرًا، وبعد ساعة من مغادرة الموفَدَين أُفرج عن 20 شابًا من مريمين فقط".

في اليوم التالي، عاود الأهالي التظاهر للمناداة بتنفيذ بقية المطالب، فتوجّه عبيدة أرناؤوط، "مسؤول الشؤون السياسية في محافظة حمص"، إلى مريمين للقاء الأهالي الذين أكدوا على مطالبهم، فأدان أرناؤوط المجزرة واعترف بها.

لاحقًا، تصادف خروج المحافظ من القرية مع تشييع الشاب وسام بلال، الذي أعدمه المسلحون ميدانيًا في منزله وأمام أولاده لأنهم "يريدون شقيقه الذي كان يخدم في الأمن العسكري بالحولة، علمًا أن وسام خدم في الأمن السياسي ولم يكن مطلوبًا، وقد أجرى تسوية"، يضيف زاهر.

حالة عامّة

ما جرى في مريمين لا يختلف من حيث المبدأ عمّا جرى في كثير من القرى المجاورة، مع اختلاف التفاصيل بين قرية وأخرى، من فاحل التي شهدت مجزرة أودت بـ 17 شخصًا ورُميت جثث ثلاثة منهم على مفرق القرية، إلى جبورين والشرقلية التي شهدت اعتداءات على الأماكن المقدسة من زيارات وقبب للطائفة العلوية، وأُطلقت النار على "مقبرة الشهداء" فيها.

يأتي هذا وسط واقع اقتصادي ومعيشي بالغ السوء في معظم الأرياف، لا سيما ريف حمص الغربي، بعد تسريح الغالبية من وظائفهم، فضلًا عن شكاوى من اضطهاد على أسس طائفية، وترويج صورة نمطية تشبه الصورة التي رُّوجت زمن النظام السابق عن جيرانهم في الحولة، ونظرائهم في الغوطة وغيرها في العام 2011.