لبنان وعودة "الطبقة العاملة"
الاصطفاف الذي نشهده اليوم، بشكل خجول وغير منظم (ولا واعٍ إلى حد بعيد)، يفصل موظفين بيروقراطيين وعمالًا ومستخدمين من الطبقتين الوسطى والدنيا، عن أرباب الاقتصاد المصرفي الذي يتحكم بمفاصل البلاد منذ نحو ثلاثين عامًا
الاصطفاف الذي نشهده اليوم، بشكل خجول وغير منظم (ولا واعٍ إلى حد بعيد)، يفصل موظفين بيروقراطيين وعمالًا ومستخدمين من الطبقتين الوسطى والدنيا، عن أرباب الاقتصاد المصرفي الذي يتحكم بمفاصل البلاد منذ نحو ثلاثين عامًا
ما يمكن التسليم به هو فشل نموذج حكم المصارف واستدامة تغذيتها من الدين العام وفوائدهالاصطفاف الذي نشهده اليوم، بشكل خجول وغير منظم (ولا واعٍ إلى حد بعيد)، يفصل موظفين بيروقراطيين وعمالًا ومستخدمين من الطبقتين الوسطى والدنيا، عن أرباب الاقتصاد المصرفي الذي يتحكم بمفاصل البلاد منذ نحو ثلاثين عامًا. هذه لحظة تاريخية، لو جرى التقاطها (وهو أمر صعب بسبب كتلة من الظروف، برغم عدم استحالته)، لَتَحوّلَ معنى السياسة في البلاد أو أخذ منحى مختلفًا على أقل تقدير. لبنان يشهد، مع جولة الإضرابات الأخيرة فيه التي تشلّ أكثر من قطاع، عودة طبقة عماله ومستخدميه وموظفيه البيروقراطيين إلى الواجهة (نفصل بين الجهات المشار إليها حتى لا يؤخذ علينا تحريف المعنى الماركسي للطبقة العاملة). صحيح أنه لا يمكن تصوّر قلب فلسفة النظام الاقتصادي فيه رأسًا على عقب. إذ حتى في عز الدعوات الاشتراكية واليسار الأممي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كان الأمر محالًا وتحول إلى صراع طائفي مرير. لكن ما يمكن التسليم به هو فشل نموذج حكم المصارف واستدامة تغذيتها من الدين العام وفوائده، ووصول القدرة على امتصاص موارد الدولة عن طريق الفساد والمحسوبيات وتعطيل أجهزة الرقابة إلى ختامها. قبل أعوام ظهر ميل لدى بعض أركان الفساد في لبنان إلى تصديق فكرة أن اكتشاف الغاز على سواحل المتوسط من شأنه أن يطيل أمد الصيغة الحالية للنظام الاقتصادي اللبناني، الذي يقوم على شفط موارد القطاع العام وتعبئة جيوب حفنة من المستفيدين منه وتعميم الفساد ومأسسته في الأجهزة البيروقراطية. لكن عوامل جيوسياسية وتقنية قضت على "الحلم" بإعادة إنتاج الصيغة تلك. اليوم ثمة نموذج مهترئ تقف قبالته جموع من المحتجين الخائفين من دفع الثمن من جيوبهم الخاصة. وكل من هؤلاء يحمل معولًا قادرًا على حرف النظام ميليمترًا واحدًا عن مساره.