حسمٌ متعثر في طرابلس وتفضيل دولي للوضع الراهن
إن كان سوء الظن من حسن الفطن، فلا بد من التساؤل عما إذا كانت مصالح شركات النفط الفرنسية، توتال، والإيطالية، إني، تزدهر بنضوج الحل السياسي أم مع بقاء الوضع الرهان السائب في ليبيا
إن كان سوء الظن من حسن الفطن، فلا بد من التساؤل عما إذا كانت مصالح شركات النفط الفرنسية، توتال، والإيطالية، إني، تزدهر بنضوج الحل السياسي أم مع بقاء الوضع الرهان السائب في ليبيا
إن كان سوء الظن من حسن الفطن، فلا بد من التساؤل عما إذا كانت مصالح شركات النفط الفرنسية، توتال، والإيطالية، إني، تزدهر بنضوج الحل السياسي أم مع بقاء الوضع الرهان السائب في ليبياالتنافس الفرنسي ـ الإيطالي حول ملفات أوروبية عدة، وسعي روما لتشكيل محور مقابل للمحور الفرنسي الألماني (الذي كان يوماً مثلثاً فرنسياً ـ ألمانياً ـ بريطانياً) ظهر بأوضح صوره في التنافس على إدارة ملف الحل السياسي الليبي. كانت فرنسا سباقة إلى التدخل عبر رعاية ما عرف بمؤتمر باريس، أيار/مايو 2018، الذي توافق فيه الليبيون على وضع دستور للبلاد بحلول شهر أيلول/سبتمبر وإجراء انتخابات قبل نهاية العام. وكما يحصل عادةً في الحروب الأهلية، الجداول الزمنية لا تعني الكثير. هكذا دخلت إيطاليا على خط إطلاق المؤتمرات ودعوات الحوار عبر مؤتمر باليرمو للحوار الليبي، تشرين الثاني/نوفمبر 2018، والذي حدد بدوره جداول زمنية جديدة. لا تعبر هذه المؤتمرات إلا عن نية الهيمنة على مسار الحل السياسي الليبي، حيث فضلت فرنسا وإيطاليا أن تتجاهلا التقدم الذي تحقق في الماضي عبر اتفاق الصخيرات في المغرب، كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي لا يختلف في جوهره عن مبادرتي باريس وباليرموك، باستثناء التغييرات في توازن القوى والسيطرة بين الأطراف الليبية المتقاتلة. وإن كان سوء الظن من حسن الفطن، فلا بد من التساؤل عما إذا كانت مصالح شركات النفط الفرنسية، «توتال» Total، و«الإيطالية»، إني Eni، تزدهر بنضوج الحل السياسي أم مع بقاء الوضع الرهان السائب. فهاتان الشركتان هما الوحيدتان اللتان استمرتا بالتوسع في أنشطتهما في ليبيا، فيما تحاول الشركات الأخرى الرحيل. في آذار/مارس 2018 ـ قبيل مؤتمر باريس ـ اشترت شركة «توتال» حصة شركة «ماراثون» الأميركية في حقل الواحة النفطي. في تشرين الأول/أكتوبر 2018 ـ قبيل مؤتمر باليرمو ـ اشترت شركة «إني» نصف حصة شركة «بريتش بتروليوم» من الأصول الليبية النفطية والغازية. إيطاليا تحديداً تمتلك مصلحة كبرى في استمرار الوضع الحالي في ليبيا. فالتراجع الكبير في موجات المهاجرين الأفارقة عبر ليبيا إلى إيطاليا تحقق عبر اتفاق السلطات الإيطالية وحكومة الوفاق في طرابلس والميليشيات الليبية على إنشاء معسكرات احتجاز لهؤلاء المهاجرين. يقدر الخبراء عدد هؤلاء المعتقلين بحوالي 200 ألف حالياً، يقبع منهم حالياً حوالي 20 ألفاً في معتقلات تديرها حكومة الوفاق والبقية في معتقلات تديرها الميليشيات الليبية المتعددة. هذه الترتيبات سمحت لليمين الإيطالي الحاكم بالتحرر من أعباء المهاجرين بكلفة منخفضة للغاية. أي حل سياسي مستقبلي للأزمة الليبية لن يقبل بتحمل كلفة حل المشاكل الأوروبية. لهذا، فالوضع الحالي المؤقت مفضل على غيره. وعلى عكس سوريا الفقيرة بمواردها والتي تصل فاتورة إعادة إعمارها إلى مئات مليارات من الدولارات (والتقديرات بطبيعة الحال لا تمتلك الخيال الكافي لتقدير تأثير الفساد والمحسوبية)، فإن ليبيا غنية بمواردها وأرصدتها المالية المجمدة (نعلم مثلاً أن الأموال المجمدة بقرار من الأمم المتحدة في 2011 بلغت حينذاك 67 مليار دولار)، ولهذا فإن القوة التي ستستطيع التحكم بمستقبل ليبيا ستهيمن على طريقة إنفاق عشرات مليارات الدولارات. ولهذا يستعر التنافس بين القوى الدولية، والتي يبدو أنها تفضل استمرار الوضع الحالي إلى حين التوصل إلى تسوية فيما بينها بدل أن تحسم الأمور بالقوة لصالح أحد أطراف الصراع الليبي. أما الدخول الروسي السياسي والإعلامي على خط معركة طرابلس عبر منع مجلس الأمن من إصدار بيان يدعو خليفة حفتر إلى وقف الهجوم على طرابلس، فقد يكون ضاراً بجهود حفتر على المدى المتوسط والطويل. فهذا التدخل الروسي قد يشجع على توحد الجهود الدولية في مواجهة حفتر، عبر إضافة بعد التنافس الأطلسي ـ-الروسي للمعركة هناك. وما دامت روسيا غير راغبة بالتدخل العسكري المباشر هناك، فلا فائدة حقيقية يجنيها حفتر الذي لا يزال يحاول السيطرة على طرابلس من دون دعم جوي في الوقت الذي بدأ فيه خصومه توحيد صفوفهم للدفاع عن مصراتة حيث ستدور المعركة الحقيقية. مع تظافر كل هذه العوامل تتضاءل آمال حفتر بالسيطرة على كامل التراب الليبي، لتبقى المشيئة الدولية متمثلة باستمرار النزيف الليبي إلى حين تلاقي المصالح على غير ذلك.