ما هي أشكال التمييز ضد ذوي الإعاقة في لبنان؟

ضَمن القانون اللبناني حقّ الأشخاص ذوي الإعاقة بالعلم، والعمل، والصحة، والتنقل، وغير ذلك من الحقوق، وأوجب عدم اعتبار الإعاقة حائلًا دون الحصول على هذه الحقوق. لكن القانون شيء، وتطبيقه شيء آخر. يلقي هذا التحقيق الضوء، بالأرقام والبيانات، على أشكال التمييز ضد ذوي الإعاقة في لبنان.

Image Credit: Lynsey Addario/Getty Images

ينصّ الدستور اللبناني على "المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين، دون تمايز أو تفضيل". إلا أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تبدو مستثناة من هذه المساواة، برغم وجود تشريعات تضمن - نظريًا - حقوق هذه الفئة، من دون أن تتجاوز كونها حبرًا على ورق. بحسب "منظمة الصحة العالمية"، يشير مصطلح الإعاقة "إلى تفاعل الفرد مع حالة صحية ما (مثل الشلل الدماغي أو متلازمة داون أو الاكتئاب) والعوامل الشخصية والبيئية (مثل المواقف السلبية وصعوبة الاستفادة من وسائل النقل والمباني العامة ومحدودية دعم المجتمع)".
وبحسب وزارة الشؤون الاجتماعية، بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة المسجلين في لبنان عام 2020، 114 ألفًا، علمًا بأن الأرقام هذه ليست نتيجة إحصائية شاملة، بل إنها تعكس عدد المتقدمين للحصول على البطاقة الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، على أن تكون الإعاقة هذه مدرجة في التصنيفات الرسمية المعتمدة. ويشير المسح الذي أجرته الوزارة إلى أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة من الفئة العمرية 1-17 عامًا تبلغ 12%، في حين أن نسبة كبار السن من عمر 65 وما فوق تشكّل 37%، وهؤلاء موزّعون على المناطق اللبنانية كافة ومن مختلف الجنسيات.
أما لجهة توزيع النسب من حيث نوع الإعاقة، فتُظهر الإحصاءات المذكورة أن 56% ‏من المسجّلين يعانون من إعاقة حركية، و29% من إعاقة عقلية، و8% من إعاقة سمعية، و7% من إعاقة بصرية. ولجهة التقسيم الجندري، يُظهر "التقرير الوطني حول الإعاقة" للعام 2022، المنشور على موقع وزارة الشؤون الاجتماعية، أن 62%‏ من أصحاب الإعاقة في لبنان هم ذكور، فيما تبلغ نسبة الإناث 38%.

قانون 220: حبر على ورق

عام 2000، صدر قانون خاص بالأشخاص ذوي الإعاقة لضمان حقّهم في العلم، والعمل، والصحة، والتنقل، وغير ذلك من الحقوق. وتقول رئيسة "الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيًا" سيلفانا اللقيس إن القانون "ما كان ليصدر لولا نضالات حركة الإعاقة. ولكنه، للأسف، لم يطبّق بشكل كامل، حيث ارتبطت العديد من بنوده بالمراسيم التطبيقية". ولدى مطالعة قانون 220/2000 ومقارنته بالواقع، يتبين لنا النقص الفادح في عملية التنفيذ. على سبيل المثال، يشير القانون إلى أن "حقوق الأشخاص المعوقين مترابطة، ويأتي على رأسها حق الوصول إلى الأماكن والتواصل"، إلا أن الموازنة لم تتضمن أبواب صرف محددة لتجهيز الأماكن العامة أو ذات الاستخدام العام، بما يضمن وصول الأشخاص ذوي الإعاقة كغيرهم من المواطنين إلى أماكن عملهم.
"مضت 5 سنوات على تخرجي من الجامعة بشهادة في مجال تكنولوجيا المعلومات، لكني لم أحصل حتى الآن على وظيفة في هذا المجال بسبب وجود مشكلة في يدي اليسرى منذ الولادة، فاضطررت إلى العمل في مجال توصيل الطلبات والامن". حيدر – من ذوي الإعاقة
كما ينص القانون 220 على إلزامية تخصيص دوائر القطاع العام وشركات القطاع الخاص نسبة 3% من الوظائف المتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ويشترط القانون على "المؤسسة الوطنية للاستخدام"، بالتعاون مع الوزارات المختّصة، ضمان حصول الأشخاص ذوي الإعاقة على التدريب التقني والمهني المناسب وفرص الإرشاد المهني الملائمة. غير أن القطاع العام لم يلتزم بواجب التوظيف. أما القطاع الخاص فالتزم بنسب ضئيلة عبر مبادرات مدنية خاصة فحسب، ما دفع المنظمات التي تعنى بالأشخاص ذوي الإعاقة إلى رفع دعاوى قضائية لإلزام هذا القطاع بتطبيق القانون. وبحسب تقرير نشرته مؤسسة "التعزيز الاجتماعي" لعامي 2019- 2020، بلغت نسبة البطالة 74.4% لدى اللبنانيين من ذوي الإعاقة، و91% لدى نظرائهم من السوريين المقيمين في لبنان. وعند تفصيل البيانات بحسب الجنس، نجد أن الإناث أكثر تأثرًا من الذكور لجهة البطالة.
ومن بين أسباب البطالة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة غيابُ التجهيز الهندسي الدامج ووسائل النقل العامة المجهّزة - برغم تأكيد قانون 220/2000 على وجوب تجهيز 15% منها - بالإضافة إلى عدم تأهيل الجهاز البشري للمؤسسات التي تُعنى بتأمين الوظائف لهم، في القطاعين العام والخاص.

تعليم دامج؟

ضَمن القانون حقّ الشخص ذي الإعاقة بالتعليم والفرص المتكافئة، وأوجب عدم اعتبار الإعاقة حائلًا دون الحصول على هذه الحقوق. غير أن القليل من المدارس الرسمية والخاصة يلتزم بذلك، في ظلّ غياب استراتيجية متكاملة للدمج التربوي. وبحسب تقرير "مؤسسة التعزيز الاجتماعي"، يتبيّن أن نسبة 35.2% من الأشخاص ذوي الاعاقة صرّحوا بأنهم لم يحصلوا على أي تعليم رسمي منهجي، فيما لم يُكمل 21.5% منهم المرحلة الابتدائية، ولم تتجاوز نسبة من دخل منهم الجامعة الـ3% فقط.
وفي ظلّ ندرة الدراسات الجديّة المتعلقة بالأشخاص ذوي الإعاقة، وضعف التجهيز الهندسي الملائم في المدارس الرسمية والخاصة، وغياب البيئة الدامجة التي تلبي حاجات ذوي الإعاقة البصرية أو السمعية أو الذهنية، يجد معظم هؤلاء أنفسهم محرومون من التعليم النظامي، باستثناء حالات نادرة تكلف أولياء أمورهم مبالغ طائلة في مؤسسات تعليمية خاصة.
"الكثير من المدارس لم يقبل تسجيل ابنتي دينا لأن لديها إعاقة ذهنية، وذلك بسبب افتقارها لنظام التعليم المدمج الذي يراعي حاجات ذوي الصعوبات التعلميّة". والدة دينا 
تُُظهر الحالات التي تحقّق منها تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" صدر في آذار/مارس 2018، أن معظم أسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة تشكو استبعادهم "من المدارس الرسمية بسبب سياسات القبول التمييزية، وعدم وجود ترتيبات معقولة، بالإضافة الى نقص الموظفين المدربين تدريبًا كافيًا، وعدم وجود مناهج شاملة". ويفيد التقرير بأن "برنامج تأمين حقوق المعوقين" الحكومي، المكلّف بتسجيل ذوي الاحتياجات الخاصة، أدرج في بياناته لذاك العام 8558 طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة، تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عامًا، وهو سن التعليم الإلزامي. وتبدو هذه الأرقام منخفضة، نظرًا إلى أن الإحصاءات العالمية لـ "اليونيسف" و"منظمة الصحة العالمية" و"البنك الدولي" تقدر أن نحو 5% من الأطفال تحت سن 14 يعانون من احتياجات خاصة. ويثير هذا التضارب في الأرقام مخاوف من أن عشرات الآلاف من الأطفال اللبنانيين من ذوي الاحتياجات الخاصة غير مسجلين، وأن كثيرًا منهم قد لا يحصل بالتالي على التعليم.

الحرمان من الطبابة والتسهيلات "اللوجستية"

برغم إقرار القانون 220/2000 التغطية الصحية الشاملة وخدمات إعادة التأهيل على نفقة الدولة، وإتباعه بتعميم من وزارة الصحة العامة عام 2010، ثم بتعميم من وزارتي الشؤون الاجتماعية والصحة عام 2011، فإن ذوي الإعاقة لا يحصلون على الخدمات الصحية المطلوبة.
ووفقًا لتقرير مؤسسة التعزيز الاجتماعي لعامي 2019- 2020، تُشكل الأدوية أكبر مصدر للتكاليف الصحية، تتبعها المشورات الطبية. ويُمثل ضعف تأهيل بعض الكوادر الطبية للتعامل مع حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة مشكلة أيضًا، إذ قد يتسبب بإعاقات مستجدة، أو بأشكال مختلفة من الأذى المعنوي أو النفسي. والجدير ذكره أن الأشخاص ذوي الإعاقة بإمكانهم الحصول على بطاقة شخصية تخوّلهم ممارسة حقوق وامتيازات نص عليها القانون 220. وتظهر إحصاءات مؤسسة "التعزيز الاجتماعي" أن 25% منهم فقط حصل على هذه البطاقة للإفادة من مجموعة واسعة من الخدمات، حيث استخدمها 64% منهم للتمتع بإعفاءات ضريبية، و47% لنيل خدمات الصحية، و4% للإفادة من خدمات تعليمية، و3% للحصول على معونات مالية. وبسبب قصور هذه البطاقة عن تغطية النفقات الصحية كاملةً، يجد البعض صعوبة في تسديد رسوم الخدمات المتخصصة كالتصوير والفحوصات المخبرية الباهظة التكلفة.
وإلى جانب العامل الطبي/المالي، يشكّل العامل "اللوجستي" حاجزًا آخر أمام هذه الفئة من اللبنانيين والمقيمين في لبنان. فبرغم إلزام قانون 220/2000 المؤسسات العامة والخاصة بالتجهيز الهندسي الذي يسمح باستقلالية حركة ذوي الإعاقة، إلا أن الوزارات المعنية لم تنجز الإجراءات المطلوبة لذلك، ولا هي أصدرت المراسيم التطبيقية بعد. وقد أظهرت دراسات مستقلة إمكانية تجهيز المؤسسات الرسمية بتكلفة متدنية، علمًا بأن الدولة أضاعت فرصة إعادة إعمار ما دمرته حرب تموز 2006 بما يراعي حقوق الإنسان ذي الإعاقة ومتطلباته. ونظرًا لضعف التجهيز الهندسي، يجد ذوو الإعاقة صعوبة في الوصول إلى المراكز الصحية أو التحرك داخلها وبالتالي استخدام جميع أقسامها، ويعاني الكثير منهم من نقص المعدات المستخدمة في الفحوص والمعالجات.

الحق الانتخابي وغياب المساءلة

نصّت المادة 98 من قانون 220/2000 على وجوب الأخذ بالاعتبار "حاجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تنظيم العمليات الانتخابية من نيابية وبلدية وغيرها...". وعام 2009، صدر المرسوم رقم 2214 - وهو أول مرسوم في هذا المجال - الذي حدّد الإجراءات المتعلقة بتسهيل مشاركة ذوي الإعاقة في الانتخابات النيابية والبلدية. ثم، عام 2011، صدر المرسوم رقم 7194 الذي نصّ على معايير الحد الأدنى لتأهيل الأبنية والمنشآت والمرافق العامة والدوائر الرسمية، ضمن مهلة انتهت مع ختام عام 2017. لم يُطبّق أي مما نص عليه القانون والمراسيم اللاحقة، حيث أقيمت ثلاثة استحقاقات انتخابية أعوام 2010 (نيابية) و2016 (بلدية) و2018 (نيابية) من دون أن يتمتع الأشخاص ذوو الإعاقة بحقوقهم الانتخابية ولا باستقلالية المشاركة. وقد رُصدت مخالفات عدة خلال الانتخابات، تركز معظمها على غياب التجهيز الهندسي وضعف الوعي لدى المشرفين على العملية الانتخابية، بالاضافة الى عدم اعتماد وزارة الداخلية والبلديات الأماكن المفتوحة والطوابق الأرضية كمراكز اقتراع. وقد بيّن الإحصاء الشامل لمراكز الاقتراع، أن 63% منها عبارة عن مدارس، وفي حين أن 8% منها غير مجهز بالكامل، فإن صفر بالمئة منها مجهز بالكامل.
ويبدو تنفيذ القانون 220/2000 متوقفًا على مساءلة الوزارات المعنية والمسؤولين فيها، حيث امتنعت الوزارات تلك عن إصدار المراسيم التطبيقية للقانون، وغابت، بالتزامن مع ذلك، استراتيجية وطنية لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في مجتمعهم وفي آليات إنتاجه. ويعزّز هذه المشكلة غياب المعايير الدامجة عن هيكلية الوزارات، وإداراتها، ومجالسها، وقراراتها، فضلًا عن حصر تنفيذ القانون بحالات جزئية محدودة الأثر، وتقطّع التنفيذ لارتباطه بالتمويل الخارجي، وغياب التنسيق بين الوزارات المعنية. قبل أسابيع قليلة من موعد انتخابات 2022، لا تزال مراكز الاقتراع تفتقر إلى أبسط معايير الهندسة التي تستجيب لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة وتسمح لهم بالاقتراع بكرامة تنسجم مع حق بديهي لهم. على الأغلب أنهم ملّوا من الحاجة إلى حملهم صعودًا إلى غرف الاقتراع في الطوابق العليا من قبل مندوبي اللوائح، في انتخابات لا تفرز لهم نتائجها سياسات، تتيح لهم التمتع بمزايا المواطنة الكاملة.   * أُنجز هذا التحقيق بدعم من “صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية” UNDEF ومنظمة “صحافيون من أجل حقوق الإنسان” Journalists for Human Rights.
البرامج الانتخابيّة أم شدّ عصب الناخبين: أيّهما أكثر فعاليّة؟

قد تظهر نتائج الانتخابات مدى قدرة البرامج الانتخابية على التأثير في خيارات الناخبين، وربما محدوديّة هذا..

فريال دكاك

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة