يدا ميداس: الطالباني وجوائز الترجمة

كيف يمكن للسيد الأحمري، رئيس مسيّري "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" وللشخص الذي اكتراه لتقويم عمل ثائر ديب من خارج لجنة المسيّرين ومن خارج قواعد الجائزة أن يواجها شهادات مثل تلك الواردة هنا؟

منذ أيام قليلة، هنّأ الكاتب المصري محـمد جبريل عبر حسابه على "فيسبوك" ثائر ديب بمناسبة عيد مولده، فكتب أحد أصدقائه تعليقًا يشير إلى ثائر ويصفه بـ"الكبير الذي نوّرنا ببندكت أندرسن"، ليرد جبريل قائلًا: بندكت أندرسن بس؟ دا لحم دماغنا من خيره"، في عبارة ربما يحلم بها أي مترجم أو كاتب في الدنيا. ومنذ أكثر من أحد عشر عامًا، كتبتُ عن المترجم والمثقف السوري البارز ثائر ديب الذي كرّمه "المركز القومي للترجمة" في مصر في عام 2019، بوصفه واحدًا من أهمّ المترجمين العرب: "يدان كيدَي الملك ميداس في الميثولوجيا الإغريقية تحولان كلّ ما تطالانه ذهبًا"، وكان ذلك في بورتريه في جريدة "الأخبار" اللبنانية. كان المفكّر السوري أنطون مقدسي، مدير التأليف والترجمة في وزارة الثقافة السورية والذي جعل من منشورات الوزارة قدوة تُحتذى في العالم العربي، قد احتفى بترجمات ثائر ديب الخارج من المعتقل السياسي في أوائل تسعينيات القرن الماضي أيّما احتفاء. وفي أوائل القرن الحالي، طلب إليه الأستاذ محـمد كامل الخطيب، المدير اللاحق للتأليف والترجمة ومؤسس الهيئة العامة السورية للكتاب، أن يعمل فيهما بعقد خبرة، وصولًا إلى تكليفه لاحقًا بإدارة الترجمة في الهيئة. وفي تلك الفترة أسس ثائر ديب مجلة "جسور"، وهي واحدة من أهمّ المجلات التي تُعنى بالترجمة ودراساتها وترأس تحريرها، كما وقف خلف تأسيس "جائزة سامي الدروبي للترجمة". وبقي في عمله في وزارة الثقافة السورية حتى عام 2012، حين غادرها ليعمل في قسم الترجمة في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في بيروت. في ذلك البورتريه منذ عشر سنوات، أوردتُ ما قاله عنه وعن نتاجه بعضٌ من أبرز المثقفين السوريين. إذ وصف الأكاديمي وفيق سليطين ترجماته بأنّها "رفيعة تمتاز بالدقة والانضباط وباستقصاءٍ تنهض به لغة مشرقة، وعبارة كثيفة مشحونة مفهوميًا إلى الحدّ الذي يمكنها من مضارعة التأليف". أمّا أستاذ الفلسفة أحمد برقاوي فقال: "ثائر ديب؟ صديقي. إنسان وفيٌّ للثقافة لا للتكسّب أو الظهور، هاجسه نشر المعرفة، ومقالاته مكتوبة بحسّ نقدي رفيع". وقال الروائي فواز حداد: "شهادتي فيه مجروحة. هو صديق عزيز، ومثقف أحترمه، وأهم مترجم سوري الآن، بما يتميز به من قدرة على نحت المصطلحات الأدبية". وقال الراحل سماح إدريس رئيس تحرير مجلة "الآداب": "كان لدار "الآداب" شرف التعاون مع ثائر ديب في عدد من الترجمات المهمة، وهو رئيس تحرير أفضل المجلات العربية اعتناءً بالترجمة. والأهم من هذا وذاك، أن ثائر ديب لم يتخلَّ عن مواقفه الحرة ولم يتزلف إلى سلطة أو سلطان، ولم يفتت السجن السياسي الطويل من التزامه الأخلاقي بالحرية والتحرر". ورأى الأكاديمي والمترجم نوفل نيوف أن عمل ديب: "لا ينحصر في الترجمة التي ينصب جلّ جهده عليها، فالمقالات والأبحاث التي يكتبها جزء متمم من صورة شخصيته الثقافية، إحدى مرايا الجدية والعمق والامتلاء بعيدًا عما نجده لدى كثيرين من حشو وادعاء وتعالم".
واضحٌ من الرسائل والمكالمات التي احتفظ بها ديب بخصوص ترشّحه لجائزة الإنجاز أنَّ الأحمري خرج على نتائج التصويت، محتجًّا بكتاب علي الدشتي عن السيرة النبوية
واليوم، إذ يُمارَس التخلّف الحضاري والفكري وانعدام النزاهة ضدّ ثائر ديب، وإذ يُكتَرى شخص لتدبيج التقارير ضدّ عمله الذي يصعب أن تنهض به مؤسسة كمًّا ونوعًا (انظر رسالة ثائر ديب المفتوحة إلى مجلس أمناء جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي)، فإننا نتذكر ما سبق أن قاله عنه كبيرٌ مثل الراحل جابر عصفور الذي عبّر مرّات عن أنّ ترجمات ديب جعلته يعتبره ابنًا له وتلميذًا نجيبًا من تلاميذه، وصولًا إلى تكريمه في "المركز القومي للترجمة" في مصر في عام 2019 بعدما نُشر له في ذلك المركز 6 من أبرز ترجماته. وفي مواجهة هذا التخلف وانعدام النزاهة، نورد أيضًا ما يقوله عنه اليوم د. الطاهر لبيب، السوسيولوجي العربي البارز ومدير "المنظمة العربية للترجمة" ومشروعها الكبير سابقًا ومدير "مشروع نقل المعارف" بين  البحرين واليونسكو حاليًا، حيث ثائر ديب واحد من الهيئة الاستشارية للمشروع: "ليس ثائر ديب صديقًا أعتز بصداقته فقط. بل هو أيضًا من أفضل من ترجم من العرب. طبيعي، إذًا، أن يلجأ "مشروع نقل المعارف" إلى جهده". كما نورد قول الأكاديمي والمترجم ومنظّر الترجمة الفرنسي ريشار جاكمون الذي يضع ديب ونتاجه الموضع اللائق: "تعرفت على ‏ثائر ديب ‏منذ أكثر من 20 سنة ‏في إطار اهتمامي العلمي ‏بقضايا الترجمة من اللغة العربية وإليها، واقتنعت من ساعتها بمكانته الفريدة وسط المترجمين العرب، ‏وهي مكانة ظلت تزيد وتبرز فيما بعد مع تزايد عطائه العلمي. ‏وهذه المكانة تعود ليس فقط إلى كفاءته كمترجم، ‏التي يشهد لها الجميع، ‏ولكن أيضًا وربما أولًا إلى وعيه اليقظ بدور الترجمة والمترجم في الثقافة العربية المعاصرة، وهو الوعي الذي يتجلى ليس فقط في اختياراته الترجمية، بل كذلك في مساهماته العديدة والقيمة في دراسات الترجمة. كل هذا العطاء يجعل منه لا مجرد مترجم بل مثقفًا بالمعنى الأسمى للكلمة، مثله مثل كل المترجمين الكبار الذين أثرَوْا الثقافة العربية الحديثة وتركوا بصمتهم فيها". أمّا الأكاديمي والباحث والمترجم عبد الله البياري فيقول: "لا يمكن لأي قارئ للترجمات العربية في السنوات العشرين الأخيرة، إلا أن يعي أثرًا دالًا لثائر ديب في الترجمة. أثر لا ينبني داخل النصوص المترجمة فقط من خلال الدراية بصنعة الترجمة وتقانتها، ولكنه ينبني بين النصوص المختلفة في العلوم الاجتماعية والانسانيات والفلسفة، بشكل يكاد يكون نصًا موازيًا، وصوتًا ثالثًا بعد المؤلف والقارئ، يؤكد مركزية نظريات الترجمة وسياساتها، ويعيد النص الأصلي إلى سياقات التلقي العربية الفاعلة، لا باعتبار ثائر مترجمه، وصوتًا ثانيًا فقط، إنما هو متلقٍ حذق وعارف للنص. وهذا الارتحال بين لغتين مركزيتين، وأساسيتين في عالمنا؛ وهي اللغة الإنجليزية والعربية. الأولى بإرثها التقني الكتابي، والثانية بإرثها التخيلي الشفاهي. يترك ثائر ذا صوت لا يقل أهمية عن صوت المؤلف في فضاء اللغة العربية". كيف يمكن لمحمد الأحمري، رئيس مسيّري "جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي" وللشخص الذي اكتراه لتقويم عمل ثائر ديب من خارج لجنة المسيّرين ومن خارج قواعد الجائزة أن يواجها مثل هذه الشهادات؟ وكيف يمكن أن يواجها آلاف القرّاء والباحثين العرب والأجانب الذين يقدرون عمله أرفع تقدير؟ واضحٌ من الرسائل والمكالمات التي احتفظ بها ثائر ديب بخصوص ترشّحه لجائزة الإنجاز أنَّ الأحمري خرج على قواعد الجائزة وعلى نتائج التصويت، محتجًّا بكتاب علي الدشتي عن السيرة النبوية الذي قال إنّه "لا يستطيع تحمله"! كما لو أنّ الكتاب نوعًا من الآفة، مع أنّه يتغنى بعظمة النبي الإنسان أيما تغنٍّ، بخلاف الأحمري الذي لا يتغنى إلا بفتح طالبان لكابل في كتابه "فتح كابل" الذي يكفي وحده لإبعاده عن كلّ ما يتعلق بإدارة الثقافة والترجمة والتفاهم الدولي. وواضحٌ من تلك الرسائل والمكالمات أنّ هنالك من قَبِل، للأسف، أن يكتب للأحمري في ثائر ديب ما يريده الأحمري، وبعكس رأيي عضوي جائزة الإنجاز الذين يشاركان الأحمري عضويتها. ولعلّ هذا الكاتب قد كتب بأجر أو انطلاقًا من وحدة الصف الطالباني. ونرجو أن يكون من الجرأة بحيث يُظهر للعلن ما كتبه. وفي جميع الأحوال، فإنَّ مثل هذه الممارسات لا تسيء للجائزة المهمة وحدها بل تسيء أيضًا للثقافة بمجملها، الثقافة التي ينبغي ألا يحتلّ حيّزها بأكمله أمثال الأحمري وتابعه.
رماد في قارورة

أثمّة حنان يسري في تراب الوطن ولا يسري في تراب الغرباء؟ ما هذه الرَّمْنَسَة للموت؟ ما هذه الغربة المقلقة..

هنادي زرقة
رسائل حبّ إلى روزا لوكسمبورغ

روزا العزيزة: أسكن في المنطقة التي أقمتِ فيها لعام كامل. صحبتني جارتي الألمانية لزيارة بيتك، لكنها لم..

هنادي زرقة
شجر الزيتون يبكي

أيمكن، حقًّا، أن يتكيّف الزيتون مع طقس ألمانيا، ويثمر بعد أجيال؟ أيُمكن للهندسة الوراثية أن تعدّل في..

هنادي زرقة

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة