اللاعب ماضي.. بساق واحدة يعبر الحياة ويسجل أهدافًا

عاد ابراهيم ليندمج في أنشطة محيطه بعد إصابته خلال مسيرات العودة. ثم، سريعًا، راح اسمه يتردد كواحد من أبرز لاعبي فريق كرة الطائرة جلوس لمبتوري الساق في القطاع.

لم يتوقّع ابراهيم ماضي أن يكون ثمنُ مشاركته في مسيرة سلمية باهظًا إلى هذا الحد. تعود الحادثة التي غيّرت حياته إلى آذار/مارس 2019. يتذكّر، أثناء حديثه إلينا، كيف كان يتحضّر للمشاركة في إحدى مسيرات العودة التي كانت في أوجها في تلك الفترة، وكيف توجّه مع أصدقاء له إلى الصفوف الأمامية للمتظاهرين. كانت المواجهات مع قوات الاحتلال محتدمة في ذلك اليوم الصاخب، وكان شباب غزة العُزّل يرمون بأجسادهم نحو أرضهم السليبة على الجانب الآخر من الحدود، كما لو أنهم يقتحمون السماء. لم يكُن أيّ من هؤلاء بمأمنٍ من الرصاص الإسرائيلي، الحيّ منه والمطاطيّ. وخلال ذروة احتدام المواجهة، شعر ابراهيم، في لحظة غير محسوبة، بألم حادٍ في ساقه اليسرى، فَقَد بنتيجته وعيه، ليصحو لاحقًا في المستشفى. بعد تسعة أيام، أصبح ابراهيم بساقٍ واحدة. يروي ابراهيم أن الأطباء أعلموه بالحاجة إلى بتر ساقه بعد إصابته برصاص متفجّر حتى لا يخسر حياته. فما كان منه إلا أن أعلمهم بموافقته على مضض. ولم تكن الأيام التالية للإصابة سهلة عليه بطبيعة الحال. إذ شعر بأنّه فقد حياته كاملة، وباتت أبسط عاداته اليومية تحتاج إلى عون الآخرين. وفي ظل الشعور بالعجز المطلق، ساءت حالته النفسية كثيرًا. لكنه، بعد أشهر قليلة، اتخذ قرارًا ضدّ اليأس، وراح يتدرّب بلا كلل على الاعتماد على نفسه. رويدًا رويدًا، عاد ابراهيم ليندمج في أنشطة محيطه. ثم، سريعًا، راح اسمه يتردد كواحد من أبرز لاعبي فريق كرة الطائرة جلوس لمبتوري الساق في القطاع. لم تكن مهمة ابراهيم تلك سهلة. إذ إن ساقه التي فقدها كانت تعينه على الجري خلف كرة قدم، والتسديد بها لتسجيل الأهداف. يقول، أثناء تقليبه صورًا تُظهر مشاركته في مسابقة للكرة الطائرة: "دفعت ثمنًا مهولًا، لكنّي اليوم تجاوزت الأمر، وأحاول العيش بشكل طبيعي". يوما بعد آخر، راح ابراهيم يستعيد عافيته البدنية، ومعها عافيته النفسية. لم يعد بإمكانه أن يلعب كرة القدم الآن. لكنه استعاض عن ذلك بأكثر من رياضة بديلة، فعدا عن انضمامه إلى فريق كرة الطائرة جلوس، لعب كرة السلة كذلك، بل شارك أيضًا في سباق الدرجات الهوائية والسباحة، وكان يحصد مراتب متقدمة، ويعيد لذاته بعضًا من البريق الذي فقدته. هل أثنت الإصابة ابراهيم عن نشاطه الاحتجاجي؟ يضحك ابراهيم لدى سؤالنا إياه. إذ إن أوّل ما فعله بعد الانتظام في دورة حياته الاجتماعية، هو المشاركة في المسيرات السلمية من جديد، "فهذا حق لنا كفلسطينيين، وغايتنا ببساطة أن نستعيد حقوقنا المسلوبة"، يقول. يصف ابراهيم الميداليات الذهبية التي حصل عليها بالمقوّيات التي أعادت له عزيمته، وبالإكسير الذي أعطاه عمرًا جديدًا. إذ ها هو قد تزوّج الآن، وباشر بتكوين عائلة. وفي الصورة التذكارية التي طلب التقاطها مع زملائه في الفريق المكوّن من ستة لاعبين، تظهر عائلته الثانية التي تشكّلت حديثًا أيضًا. رفاق ابراهيم في فريق "الزيتون" عانوا من ظروف مماثلة. لكل منهم قصّته، وللنادي الذي يعاني من شح في الموارد المالية المطلوبة لتأمين مستلزمات اللاعبين وتسهيل حركتهم، من النادي وإليه، قصّة تستأهل الرواية كذلك. غير أن رفاق ابراهيم، كما ناديهم، يُبدون من خلال نشاطهم المستمر صلابة مشابهة لتلك التي أبداها. ليس ابراهيم ورفاقه حالات استثنائية في غزة. فوفق أرقام الأمم المتحدة، أصيب أكثر من ثمانية آلاف فلسطيني بالرصاص الحي أو المطاطي خلال عامين من "مسيرات العودة". وبحسب إحصائية صادرة عن "مركز الاحصاء الفلسطيني" الذي يُعنى بذوي الإعاقة، فإن 47 ألف معوّق يعيش في القطاع، ويمثلون نحو 2.4% من إجمالي عدد سكانه.   * أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيين من سوريا وفلسطين/غزة واليمن والسودان، من تنظيم “أوان” وبدعم من منظمة “دعم الإعلام الدولي (International Media Support)”.