لا أحد يتعلّم من تجربة غيره!

(من ورشة لكتابة اللاجئات السوريات في ألمانيا) في حلب ولدت، ومنها أخرجتني الحرب عنوة، لأجد نفسي في برلين. لم أتخيّل يوماً أن أعيش في بلد أوروبي. اليوم، أنا أعيش في ألمانيا. في قلب عاصمتها، وجدتُ مكاناً يُشعرني أنّني في بيتي، ذاك الذي تركته خلفي، في بلدي التي تأكلها الحرب! فعلاً، كان هذا ما شعرت به عندما زرت الغرفة الحلبيّة في متحف الفنّ الإسلاميّ في برلين. كنت كأنّما في قلب بيت عائلتي في حلب. أحسست أنّني سأفتح أحد أبواب الغرفة وأدلف منه إلى أرض الديار، لأجد أمّي تسقي أصص الورود المحيطة بها! وكأنّني، للحظة، سمعت صوتها تطلب منّي أن أكمل السقاية عنها، بينما تذهب هي لتحضير الغداء! الألوان، النقوش، الرائحة، كلّ شيء في الغرفة الحلبيّة أعادني إلى طفولتي في حارات حلب القديمة، حيث بيوتها الأثريّة، جامعها الكبير، وأسواقها المكتظّة بكل أنواع التحف والزخارف. تتداعى الذاكرة، وأنا أغادر متحف الفنّ الإسلاميّ. وسرعان ما يزداد تداعيها، في متحف الشرق الأدنى القديم! هناك، شعور بالذهول راودني أمام بوّابة عشتار، ألوانها تذكّر بالزجاج المعشّق المنتشر في عمارة حلب القديمة. نقوش البوّابة مدهشة، وأبرزها زهرة الأقحوان، رمز عشتار الآلهة السورية الأمّ الأصل أو الأمّ الكبرى. ثم رموز آلهتنا السوريّة القديمة.
شعور بالذهول راودني أمام بوّابة عشتار، ألوانها تذكّر بالزجاج المعشّق المنتشر في عمارة حلب القديمة
شعور بالفخر تملّكني لأنّني أنتمي إلى تلك الحضارة وذلك الفنّ اللذين يمكن أن يكونا مفتاحين لكل من يزور هذين المتحفين، ليعرف أكثر عنّا، وليتعرّف على هذا الوجه لبلدي الذي لا يشبه وجه الصور التي تخلّفها الحرب، وتبثّها قنوات الإعلام. لكن، هل يكرّر التاريخ نفسه؟! وهل تتشارك الشعوب الألم الإنسانيّ ذاته؟ في متحف التاريخ الألماني، رأيت الألم والحزن اللذين كابدهما الشعب الألماني أثناء الحروب. تشبه تجربته في الحرب حربنا التي عشناها وما زالت مستمرّة في سوريا. فقْدُ الأحبّة، دمار المنازل والذاكرة، الموت، الجهل، المرض، النزوح، التهجير، والهروب من موت محتّم إلى مجهول قاتل. تاريخ يكرّر نفسه، وتجارب شعوب متشابهة، رغم اختلاف الظروف والجنسيّات والجغرافيا. شيء مشترك بين الجميع: الحرب! معها تزول الفروق بين الناس. كلٌّ يجترع مرارتها وقسوتها، وكلٌّ يشتّته الخوف من كل شيء. ثمّ الخوف من المستقبل المجهول الذي نُقاد إليه عُنوةً. لكن، لا أحد يتعلّم من تجربة غيره.