الأردن تحارب الـ"جن"

الحقيقة أنّ أفضل ما حقّقه "جنّ" هو حالة التمرّد الّتي تقول إنّ في المجتمع أطيافاً لا تخضع للأدبيّات الأكثر عموميّة ولا تستكين للعادات. عدا عن ذلك، فإنّ العمل رديء.

ما إن أعلنت شبكة Netflix الأميركية عن بدء عرض مسلسل "جن" على منصّتها، يوم الخميس 13 حزيران الفائت، حتّى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بين من يهاجم العمل ومن يدافع عنه. التجاذب لم يتناول الدراما، ولم يلتفت إلى الصنعة بشكلٍ رئيس، فالمنقسمون اختلفوا على "أخلاقيّات الصُّنّاع" الّذين جعلوا الحلقة الأولى محشوّة بالشتائم، ومرّروا فيها مشاهد قِيل إنّها "جريئة" ولا تناسب "هويّة المجتمع الأردنيّ". تحوّل "جنّ" إلى قضيّة ذات "بعدٍ وطنيّ"، حيث علت أصواتٌ تقول إنّ المسلسل، الّذي أنتجته، وأتاحته للعرض، شبكة عالمية يزيد عدد مشاهديها عن 600 مليون متابع، كان حريّاً بصنّاعه أن يصدّروا "القيَم" و"الإيجابيات" السائدة في المجتمع الأردني بدل الانسياق وراء "الابتذال" الّذي "يشوّه الصورة العامة للبلاد". في بلادٍ، والحديث هنا عن بلادنا كلّها، فقيرةٍ بالإنجازات، وذات حجمٍ شبه صفريٍّ على خريطة "ماذا قدّمنا للعالم؟"، يًصبح المسلسل سفيراً، وتصير الأغنية مطالبةً بتجاوز وظائفها، الجمالية والترفيهية والفنيّة، وصولاً إلى دورٍ "وطنيٍّ" ملتبسٍ أصلاً، فالعارفون بتركيبة المجتمع الأردنيّ، يُدركون أنّه، ومثله عموم مجتمعات دول الجوار، مكوّنٌ من طبقاتٍ لكلٍّ منها سماتٌ تُميزها عن الأخرى، فالمحرّمات في الأرياف، وضمن الجيوبِ القبائلية، هي سلوكيّات يوميّاتيّة وعاداتيّة لدى مكوّنات مجتمعيّة أخرى. ردود الأفعال الرسمية استجابت، كما جرت العادة، لثوران الشارع الّذي يشتم المسلسل من زاوية الدّفاع عن القيم والعادات والثوابت، فبدأت سلسلة التنصّل من المسؤوليات، ورافقها قرارٌ، صوريّ، من المدّعي العام بوقف عرض المسلسل، أمّا محمد الخلايلة، مفتي المملكة، فقد اعتبر في بيانٍ مقتضبٍ أن "ما تمّ بثّه من مشاهد لا أخلاقية يعتبر غريباً عن أخلاقيات الأردنيين والقيم الراسخة في مجتمعنا وخروجاً عن التعاليم الإسلاميّة". بدورها أعلنت شبكة Netflix أنّها "لن تتهاون مع التنمّر والألفاظ الجارحة بحقّ طاقم العمل". الجيّد في المنصّات المدفوعة أنّها لا تقتحم البيوت، ولا تُفاجئك بـ"مشهدٍ ساخن" وأنت تقلّب قنوات التلفزيون، فالوصول إلى "جنّ" يعادل، بطريقة ما، الذّهاب إلى السينما لمشاهدة فيلم +16 أو +18، بمعنى أنّ المتفرّج هو من يذهب إلى المُنتَج بملء إرادته، وهو من يختار الفرجة بكامل وعيه، وعليه فإنّ "جن" متاح لمن أراد المشاهدة، أمّا الّذين يعتبرونه "شطحةً قيمية" و"شذوذاً عقائدياً" فباستطاعتهم، ببساطة، ألّا يشتركوا في "نيتلفيكس"! المُضحك المبكي في عموم هذا التّجاذب، أنّ الشتائم الّتي سجّلها المعترضون على "الشتائم والخروج عن الآداب في المسلسل"، في صفحة بطلة العمل سلمى ملحس، تُحيل إلى أنّ العمل لم يستورد "شارعيّة" الحوار من كونٍ موازٍ. عن المسلسل الحقيقة أنّ أفضل ما حقّقه "جنّ" هو حالة التمرّد الّتي تقول إنّ في المجتمع أطيافاً لا تخضع للأدبيّات الأكثر عموميّة، ولا تعيش بموجب الشريعة ولا تستكين للعادات. عدا عن ذلك، فإنّ العمل رديء. تسود في الأوساط النقدية، اليوم، فكرة تُفيد بأنّ "الواقعية السحرية" جنسٌ فنيّ فضفاض يسمح بتمرير الأحداث والتنقّل في ما بينها دونَ حاجةٍ إلى مبرّرات درامية وتأسيسٍ منطقيّ للشخصيات، وهذي فكرةٌ مغلوطة، والاتّكاء على حكاية لا قواعد فيها سوف يُفضي إلى نصٍّ ركيك كما في "جن". في "جن" هناك فوضى درامية تفتقر لعناصر الجذب كلها. سيناريو متهالك. شخصيات غير محكمة. إخراجٌ بدائيّ على مستوى إدارة الكاميرا وضبط الممثلين الّذين بدوا وكأنّهم يتلون حواراً حفظوه عن ظهر قلب. النّقاط المُضيئة في العمل قليلةٌ للغاية. هناك مؤثّرات بصرية مشغولةٌ كما يجب، وهناكَ خروجٌ عن "النمط البدوي" الّذي حكم المسلسلات الأردنية بموجب تبعيّة السوق للفضائيات الخليجية. يُمكن لـ"سلمى ملحس"، و"حمزة عقاب"، لو تنبّها إلى جوهر التمثيل وبحثا أكثر في معارفه وتلقيّا ما يلزم من العلوم الأكاديمية في فنون الأداء، أن يشكّلا وجهَين تمثيليين يصحّ أن يعوّل عليهما في القادم.. جن / تأليف عددٍ من الكتّاب (إيلان داساني، راجيف داساني، أمين مطالقة، تيفاني هو، دولوريس رايس) إخراج / مير جان بو شعيا ، أمين مطالقة
من صاحب هذه الأغنية؟

نتناول هنا مظلومية الصنّاع الذين تقتصرُ مدخولاتهم على "القطفة الأولى" كـ"ثمنٍ للكلام واللحن"، علمًا أنّ..

رامي كوسا
عن "نحن" و"هم" والخالة فاتن

في البيت، ارتبك والداي وهما يحاولان أن يشرحا لي الفرق بيننا وبينَ الخالة فاتن. اضطرّا للخوض في معاني..

رامي كوسا
المهم إنّها علمانية

عدد المساجد والجوامع والمصلّيات في محافظة دمشق يزيد عن عشرة آلاف. أمّا المسارح ودور السينما، فلا تزيد عن..

رامي كوسا

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة