في درجي نصّ ديني وكتاب يساري ممنوع
أيقنتُ حقّ اليقين بأنّي عندما اخترتُ اليسار هويةً وجودية بات عليّ أن أواجه الضد الذي يعتلي "الناصية الأخرى": النصوص التي تربيت في حجرها كقطة تركية مدللة
أيقنتُ حقّ اليقين بأنّي عندما اخترتُ اليسار هويةً وجودية بات عليّ أن أواجه الضد الذي يعتلي "الناصية الأخرى": النصوص التي تربيت في حجرها كقطة تركية مدللة
ما أرنو إليه بفارغ الصبّر هو أن أُدخل كلَّ تشوشي وسوداويتي وصراعاتي وقضاياي في كيتشي أنا أو مسيرتي أنا، حيث ما من حتمية أو نسبيةوأيقنتُ حقّ اليقين بأنّي عندما اخترتُ اليسار هويةً وجودية بات عليّ أن أواجه الضد الذي يعتلي "الناصية الأخرى": النصوص التي تربيت في حجرها كقطة تركية مدللة، الشعائر التي تختزل بعبقها طفولتي، صوت الآذان المتردد هنا في صدى أذني وقلبي، القرآن في كلّ زاوية من زوايا البيت، وعائي الاجتماعي الأول وضرورة مغادرته، فيزيولوجيتي التي فيها جذوري والموروثات التي ترعرت عليها وندبة الأنوثة التي رافقتني منذ ما قبل ولادتي. عندما قررت تدشين أولى مداميك ثورتي، باغتني تعب وخوف، الخوف من أن تُقَوْقِع الوحدة الملولبة وأسلوب النبذ المنهجي وغياب الانتماء حياتي الرخوة. عندما قررت أن أسحق الأنا والنصّ، استحلتُ نقطةً عدمية لا أحد يأبه بها، ولا تستأهل الانتماء. ما يجعلني أنا ليس أن أكون يساريةً أو مسيرةً لنصٍّ. ما أرنو إليه بفارغ الصبّر هو أن أُدخل كلَّ تشوشي وسوداويتي وصراعاتي وقضاياي في كيتشي أنا أو مسيرتي أنا، حيث ما من حتمية أو نسبية، حيث المطلق الذي لا يختزله حكمٌ أو نصّ أو قضايا ملولبة، حيث تسود الحقيقة التي لا تظللها حجب الهوية أو الوجود. الكيتش أو المسيرة الكبرى التي مضيت في ركبها منذ الأزل، أي منذ أبصر فكري ميضأة الاختلاف، حوّلاني إلى رقمٍ يلف جيده طوق الكليشيهات، ويبهت عندما يسمع من بعيد أهازيج ثورة مرتقبة ويرددها تلقائيًا، لا من إيمانٍ بل من حرصه على الهوية التراكمية. إلا أنني بتؤدة فككت عقدي، ولبست حذائي الملوث بأغبرة الهرب على غرار أحذيتهم البيضاء، وركضت بعيدًا عن موكب الكيتش وكففت عن مواكبته نحو المستحيل؛ ركضت بعيدًا بكلَّ إيماني وكفري، ويساريتي ويمينيتي، واستسلامي ومواجهتي؛ ركضت نحو اللا تحرّك، نحو شخصي الثابت في موقعه الذي لا يضيره طقس. ها أنا هنا، حرّة تحت الشمس، وتحت سقف السماء المتمادي، تحت الأبعاد. حرّة في ثباتي. حرّة من النمطية التي غُرزت في خاصرتي. حرّة من إيجاد هوية وانتماء ووعاء اجتماعي يجب أن أقذف بنفسي فيه، لأكون إنساناً سويّاً، لأتمتع بإنسانيتي، لأكون في الناصية المقابلة للأخرى. ها أنا هنا في موقعي، لا متحركة، لا ناصية لي، في درجي السّري نصّ ديني وكتاب يساري ممنوع في بلدي، وكومة عاطفة وعقل ينسابان ببطء من على أناي.