أطلقت صحيفة الـ "دايلي ميل" البريطانية ما يشبه الحملة ضد أطباء فلسطينيين يعملون في مستشفى ناصر بقطاع غزة، بعد تقديمهم شهادات إلى هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أُدرجت في سياق تحقيق حول ممارسات الجيش الإسرائيلي في المستشفى. المقالة المنشورة في 24 آذار/ مارس، تناولت ستة أطباء من أصل ثمانية، واصفةً ما كشفته بـ "الحقائق المزعجة". إذ قالت إنه "من المثير للدهشة أن الستة جميعهم أَطلقوا، بشكلٍ متكرر، إهانات معادية للسامية على وسائل التواصل الاجتماعي، مع منشورات تتراوح بين الاستفزازية والتحريضية وصولًا إلى الصخب الدرامي".
ووجدت الصحيفة في منشورات الأطباء "ما يُدينهم"، ومن بين ذلك ما كتبته الدكتورة أميرة العسولي "يا رب، حوّل كلّ صاروخ فلسطيني إلى ضحية صهيونية، وحوّل كل ضحية إلى ألف عائلة تغادر وطننا". ومن بين ذلك أيضًا قيام مدير المستشفى عاطف الحوت بنشر صورة للطبيب فايز سعيد العسولي في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، مرفقًا إياها بتعليق "أول شهيد في عائلتنا"، فيما كتب الطبيب حاتم ربا على صفحته على "فيسبوك": "الله يهدي صواريخ مجاهدي فلسطين".
اعتبر تقرير الصحيفة أن آراء الأطباء الفلسطينيين، الذين يعانون، كسواهم، من العدوان الإسرائيلي وقبله الحصار والاحتلال، هي مواقف معادية لليهود بوصفهم كذلك، علمًا أن هجوم الصحيفة على الأطباء، سبقته قبل أسبوع حملة تحريض مرفقة بضغط على الهيئة لطرد الصحافيين الذين عملوا على التحقيق، بزعم أنهم "لا يتمتّعون بالمصداقية" بسبب موقفهم من الاحتلال الإسرائيلي.
وقد بدأت القصة مع تحقيق مطوّل من إعداد مجموعة من الصحافيين في الـ "بي بي سي"، وهم أليس كادي وشون سيدون وماري ـــ جوزيه القزي وريتشارد إيرفن ـــ براون، بالإضافة إلى سهى إبراهيم من فريق "بي بي سي عربي"، وبالتعاون مع معاذ الخطيب.
وعمل الصحافيون على التحقيق لمدة أسابيع، وصولًا إلى لحظة اقتحام الجيش الإسرائيلي المستشفى الشهر الفائت. وبناءً على مقابلات مع أعضاء من الفريق الطبّي، بالإضافة إلى تحليل 21 مقطعًا مصورًا، تمّ تأكيد إطلاق جيش الاحتلال النار باتجاه المرضى والأطباء.
ظلّت الحملة ضد الصحافيتين تكبُر، إلى أن وُضع اسماهما على موقع Jihad Watch الذي يكرّس جهوده "لجذب انتباه الجمهور إلى الدور الذي يلعبه لاهوت وأيديولوجيا الجهاد في العالم"
نُشر تحقيق الـ "بي بي سي" في 14 آذار/مارس، ليتبعه مقال تحريضي في 17 آذار/مارس ضد الصحافيّتين ماري ـــ جوزيه القزي وسهى إبراهيم، في صحيفة الـ "دايلي ميل"، إذ عمدت الأخيرة إلى "التنقيب" في صفحتي الصحافيّتين على موقع "اكس"، باحثةً عن دليل "يدينهما" لجهة إيجابية موقفهما من المقاومة الفلسطينية.
وقد تبيّن أن إبراهيم أبدت إعجابها بمقطع "فيديو لنشطاء "X of Philippines Action"، وهم يدمّرون لوحة زيتية لرئيس الوزراء البريطاني السابق آرثر بلفور، صاحب الوعد الشهير بإنشاء إسرائيل، كما "أُعجبت" بمقاطع فيديو لأشخاص في لبنان وتونس تظهرهم "يهتفون ويرقصون ويلوّحون بالأعلام الفلسطينية في الشارع في احتفال واضح".
كما عادت الصحيفة إلى تغريدة لقزي في العام 2018، حذفتها لاحقًا، تصف فيها إسرائيل بـ "دولة فصل عنصري إرهابية"، وهو ما يُعدّ، بحسب الصحيفة، شكلًا من أشكال "معاداة للسامية". أما الصحافي الفلسطيني الذي ساهم في التحقيق والمقيم في القدس، معاذ الخطيب، فوصفته الصحيفة بالـ"معادي لليهود"، وعادت إلى منشور له على "فيسبوك" عام 2016، أثناء إجازة له في تايلاند، يقول فيه "أنا أهرب من المدينة إلى الشرق الأقصى، وأجد يهودًا أكثر من السكان المحليين في جزيرة كو فانجان".
وقد أنتجت هذه المقالة تحريضًا على الصحافيتين العاملتين في "بي بي سي"، إذ نشر إسرائيليون تهديدات بحقّهما، ومنهم من طلب من الجيش الإسرائيلي اعتبارهما هدفًا له. كما دخل نواب بريطانيون على الخط للضغط على الـ "بي بي سي" لطردهما، فاتهمّ النائب البريطاني المحافظ أندرو بيرسي القناة بممارسة "رهاب إسرائيلي ممأسس"، وقال إنّ استخدام القناة "مراسلين يبدو أنهم معادون علنًا لإسرائيل وربما معادون علنًا لليهود، يوضح مرة أخرى المشكلات التي تواجهها بي بي سي بشأن نقل هذه الأخبار".
كما وُضع اسم القزي وابراهيم على موقع Jihad Watch الذي يكرّس جهوده "لجذب انتباه الجمهور إلى الدور الذي يلعبه لاهوت وأيديولوجيا الجهاد في العالم الحديث".
أما الـ "بي بي سي" فقالت من جهتها في بيان لصحيفة "التلغراف" إن "أولئك الذين اطّلعوا على قصتنا، سيعرفون أنّ "بي بي سي" كانت شفافة في إعلام الجمهور أين وكيف يتم تأكيد المعلومات وإسنادها، وما هي المسائل التي استحال التحقّق منها. لقد قدمنا عددًا من الروايات المباشرة، وقمنا بتسمية مصادر مستقلة، وشاركنا الأدلة المرئية، وأدرجنا حقوق الرد طوال الوقت، ونعمل وفقًا لأعلى معايير الصحافة"، وأكدت وقوفها إلى جانب صحافييها.
غير أن الصحيفة تابعت هجومها على القزي وابراهيم، وظلّت الحملة ضدهما تكبُر، إلى أن وُضع اسماهما على موقع Jihad Watch الذي يكرّس جهوده "لجذب انتباه الجمهور إلى الدور الذي يلعبه لاهوت وأيديولوجيا الجهاد في العالم الحديث، ولتصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة حول دور الجهاد والدين في الصراعات"، على اعتبار أن "غير المسلمين في الغرب، وكذلك في الهند والصين وروسيا وسائر أنحاء العالم، يواجهون جهودًا منسّقة من قبل الجهاديين الإسلاميين لتدمير مجتمعاتهم".
وقد دعا سياسيون بريطانيون إلى إجراء تحقيق في تقارير الـ "بي بي سي"، فيما قالت عضوة البرلمان عن "حزب المحافظين" تيريزا فيليرز إنه "من المثير للصدمة أن إذاعتنا الوطنية تبني تقاريرها، على ما يبدو، على روايات الأشخاص الذين أشادوا بالعنف الإرهابي ضد المواطنين الإسرائيليين الأبرياء"، داعية إلى "إجراء تحقيق شامل بما جرى".