قال القيادي السابق في حركة "فتح" ورئيس جهاز "الأمن الوقائي الفلسطيني" السابق في غزة، محمد دحلان، إن هناك خطة قيد الإعداد لإدارة الأراضي الفلسطينية بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الحالي. وأضاف دحلان، المقيم في الإمارات، إنّ هذه الخطة مدعومة من دول عربية عدة، بينها مصر والسعودية والإمارات، وقد حصلنا على بعض تفاصيلها من مصادر مصرية وفلسطينية وعربية.
ووفق مصدرين، مصري وفلسطيني، فإن الخطة التي أشار إليها دحلان أُنجزت في القاهرة خلال الأسابيع الأولى من العدوان الإسرائيلي، وكان جهاز المخابرات العامة المصري قد طرح مسودّتها الأولى.
وبحسب المصدرين، تعتمد الخطة على ائتلاف انتقالي بين تيار "الإصلاح الديمقراطي الفلسطيني" بقيادة دحلان وحركة "حماس"، بالتشارك مع تيار داخل "فتح" محسوب على الأسير مروان البرغوثي، على أن ترأس هذا التحالف شخصية من "التكنوقراط" غير محسوبة سياسيًا على أي من الجهات المذكورة.
وأوضحت المصادر أن القاهرة طرحت اسمي رئيس الوزراء الأسبق سلام فياض ووزير الخارجية الأسبق ناصر القدوة.
وفياض هو شخصية اقتصادية وسياسية فلسطينية، عمل في مؤسسات دولية عدة بينها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتولى مناصب وزارية خلال حكم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ثم منصب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية بين عامي 2007 و2013.
أما القدوة، فهو سياسي ودبلوماسي فلسطيني، شغل منصب وزير خارجية السلطة الفلسطينية بين عامي 2003 و2005، وهو ابن شقيقة عرفات ومن المقربين من البرغوثي.
وخلال الحوار الذي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مع دحلان، المستشار السابق لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والمستشار الحالي لرئيس دولة الإمارات، والذي وصفته الصحيفة بـ"المقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، قال دحلان إن الخطة تهدف إلى إقامة "نظام جديد" بقيادة شخصية فلسطينية مستقلة.
ووفق المصادر، يبدو أن ناصر القدوة هو الخيار الذي تفضله غالبية الأطراف المتباحثة، من بينها القاهرة، برغم تفضيل الرياض خيار سلام فياض. وقد حاولنا التواصل مع القدوة للحصول على تعليق منه، إلا أننا لم نتلقّ ردًا حتى كتابة المقالة.
يعمل دحلان على تسويق مقترحه في عدد من العواصم، بينها القاهرة والرياض وأبو ظبي، فضلًا عن موسكو
وأفادت مصادر في القاهرة والدوحة بأن دحلان حصل على موافقة مبدئية قبل فترة من رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في قطاع غزة، يحيى السنوار، وبأن لقاءً عُقد في الآونة الأخيرة في العاصمة القطرية بين دحلان ورئيس المكتب السياسي لـ"حماس" في الخارج، إسماعيل هنية، أعرب خلاله هنية عن موافقته على الفكرة المطروحة. وأضافت المصادر أن دحلان بدوره أبلغ القاهرة بأن تواصلًا حصل مع البرغوثي لنيل موافقته المبدئية.
وكانت "حماس" قد أدرجت اسم البرغوثي في أعلى لائحة الأسرى الفلسطينيين الذين اشترطت الافراج عنهم خلال صفقة التبادل المزمع عقدها بين المقاومة الفلسطينية وحكومة الاحتلال، بالإضافة إلى قيادات أخرى كالأمين العام لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" أحمد سعدات، الأمر الذي ما زال يواجه بالرفض من الجانب الإسرائيلي.
ويُعد البرغوثي أحد أكثر القيادات الفلسطينية شعبية، ويصفه البعض بـ"رجل الإجماع الفلسطيني". وهو من رموز "فتح" الأساسيين، وقد برز دوره القيادي خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وبعد نجاته من محاولة اغتيال، اعتُقل عام 2002 وحُكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات وأربعين عامًا بسبب مسؤوليته عن العمليات التي نفذتها بها "كتائب شهداء الأقصى".
وقال لنا عادل الغول، القيادي في تيار "الإصلاح الديمقراطي" الفلسطيني، إن التيار بقيادة دحلان يعمل على تسويق هذا المقترح في عدد من العواصم، بينها القاهرة والرياض وأبو ظبي، فضلًا عن موسكو. وأفاد بأن الأطراف التي يتواصلون معها متوافقة على إفساح المجال أمام جهة مختلفة عن "حماس" لإدارة غزة وعن محمود عباس لإدارة الضفة، بحيث لا يتعدّى دور عباس "الحضور الشرفي"، فيما تتيح "حماس" لحكومة جديدة أن تتولى الإدارة وإعادة الإعمار.
وأفاد الغول بأن تياره حصل على موافقة "حماس" بهذا الشأن، وبأن مصر أُبلغت بهذه الموافقة، كما تم التوافق على انضمام الحركة إلى "منظمة التحرير". وكان القيادي في "حماس"، محمد نزال، أعلن في حوار تلفزيوني على قناة "الجزيرة" أن لقاءً عُقد بين رئيس المكتب السياسي للحركة، اسماعيل هنية، ومحمد دحلان في العاصمة القطرية الدوحة.
وقالت مصادر في العاصمة القطرية إن تواصلًا حصل منذ أسابيع بين سمير المشهراوي، الشخصية المقربة من دحلان، وقيادات حركة "حماس" في الدوحة، مهدت للقاء هنية بدحلان، فضلًا عن لقاءات أخرى مشابهة عُقدت مع حركة "الجهاد".
وقد حاولنا التواصل مع عدد من قيادات "حماس" للحصول على تعليق رسمي، إلا أننا لم نتلق ردًا حتى الآن.
لا ترغب القاهرة بوجود قوات، عربية كانت أم غير عربية، في غزة
وخلال حواره مع الصحيفة الأميركية، قال دحلان إنه يجري التوافق على إدخال قوات عربية لحفظ السلام بغرض مساعدة الحكومة الجديدة. إلا أن مصادر مصرية قالت إن القاهرة لا ترغب بوجود أي قوات غير فلسطينية في غزة، عربية كانت أم أجنبية، حيث تعتبر أن الأفضل لأمنها القومي أن يُدار القطاع من قبل أطراف فلسطينية فقط. وهو ما يمكن تفسيره بأنه ينطوي على رغبة القاهرة بالاحتفاظ بدورها ونفوذها الكامل في غزة بعد الحرب، وهي، إذ لا تريد المشاركة مباشرة في إدارة القطاع، لا تريد لغيرها أن يأخذ مكانها أو ينازعها أيضًا.
وتعليقًا على هذا الطرح، قال لنا د. سيد غنيم، زميل "الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية" والأستاذ الزائر في "الأكاديمية العسكرية الملكية" ببروكسل، إن مصر لا تفضل دخول قوات غير فلسطينية إلى القطاع، لأن خلافات في أمور كثيرة قد تنشب مع الوقت بين هذه القوات والفصائل الفلسطينية ومن سينضم إليها مستقبلًا من الأجيال الجديدة، إذ ستمثل عازلًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتتحمل بشكل مباشر المسؤوليات كافة عن شؤون قطاع غزة كلها.
وأضاف غنيم أنه من الوارد أن يتم اعتبارها "احتلالًا جديدًا"، بل أن تتحول إلى"عدو قريب" لـ"حماس" والفصائل الحليفة لها. واعتبر اللواء السابق في الجيش المصري أن وجود أي قوات غير فلسطينية، عربية كانت أم غير عربية، قد لا يشكل عامل استقرار على عكس ما يوحي، خصوصًا في ظل احتلال الأراضي الفلسطينية، إذ عند نشوب أي مواجهة أو حصول عمليات ضد الاحتلال، ستكون هذه القوات أمام خيارين، إما التعرض للفصائل أو الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، والخياران مرفوضان مصريًا.
وتشير المصادر إلى ممانعة كبيرة لهذه الخطة من جانب السلطة الفلسطينية بقيادة عباس ومساعديه المقربين، خصوصًا رئيس الاستخبارات ماجد فرج، وحسين الشيخ، المسؤول الأول عن لجنة التنسيق المدنية مع حكومة الاحتلال.
وتضيف المصادر المصرية أن القاهرة تصر على وجود أبو مازن في أي مفاوضات أو اتفاقات، بوصفه "ممثلا شرعيًا" للفلسطينيين أمام المجتمع الدولي، وأن عباس أوفد رئيس مخابراته، ماجد فرج، إلى القاهرة نهاية العام الماضي، بعد علمه بتلك الخطة لمحاولة وقف النقاش حولها، وأن الدوحة دخلت على الخط وتسعى لإقناع عباس بالخطة المطروحة.
وتعليقًا على ذلك، قال الغول إن عباس يحاول تعطيل الخطة بأي طريقة، وأنه طرح اسم محمد مصطفى ليكون نائبًا له ورئيسًا للحكومة، الأمر الذي وصفه الغول بـ"غير المقبول" من تياره ومن سائر الأطراف الفلسطينية والكثير من الجهات الدولية المعنية بالملف الفلسطيني بسبب الاتهامات المتعلقة بسوء الإدارة والفساد.
ويشغل مصطفى، عضو اللجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير"، منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني، وكبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس عباس، وقد شغل سابقًا منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد عام 2014.