ملاحقة إسرائيل أمام المحكمة الجنائيّة الدوليّة: هل ستقبل الحكم؟
بُذلت جهود مختلفة لتقديم شكاوى وأدلة ضد إسرائيل إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة. إثبات المسؤولية الجرمية لإسرائيل يبدو سهلًا. لكن السؤال الأصعب يتصل بمدى فاعلية إدانتها.
بُذلت جهود مختلفة لتقديم شكاوى وأدلة ضد إسرائيل إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة. إثبات المسؤولية الجرمية لإسرائيل يبدو سهلًا. لكن السؤال الأصعب يتصل بمدى فاعلية إدانتها.
"لم أشكّ أبدًا بأنّ الهدف النهائي كان التطهير العرقي لغزّة".
إلى هذه الجملة خلُص الطبيب الفلسطيني-البريطاني غسان أبو ستة في مؤتمر صحفي في لندن في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد أيّام على عودته من قطاع غزّة. عرض في المؤتمر جزءًا بسيطًا من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في القطاع منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، والتي لاحظها من خلال تشخيصات طبيّة كالحروق الجلدية السطحية والعميقة في أجساد المرضى، أو من خلال مشاهدات حيّة في مستشفيات غزّة تحديدًا، والتي توقّف معظمها عن العمل.
تحدث أبو ستّة عن استخدام القنابل الحارقة، حيث يعاني المصابون جراء التعرض لها بحروق تطال أكثر من 40% من سطوح أجسامهم، ومن ثم القنابل الفوسفورية المحرمة دوليًا، حيث عالج حروقًا مشابهة جراء استخدام الفوسفور في الحرب على غزة في 2008 - 2009.
وقد اجتمع أبو ستة ورئيس "المركز الدولي للعدالة للفلسطينيين" مع "وحدة جرائم الحرب في سكوتلانديارد" التابعة للشرطة في المملكة المتحدة، بناء على طلب الأخيرة، لتكون شهادته انطلاقة فعلية في مسار جمع الأدلة للتحقيق (بالتعاون مع المحكمة الجنائيّة الدوليّة) بجرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل. وتلقت هذه الوحدة أكثر من 20 إحالة متعلقة بهذا التحقيق حتى اللحظة.
ليست هذه الخطوة الأولى في مسيرة الملاحقة القانونيّة لإسرائيل منذ بداية حربها على غزة لهذا العام، فقد بُذلت جهود مختلفة لتقديم شكاوى وأدلة إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة في لاهاي.
"بالنسبة إلى الإبادة الجماعيّة، الدليل سهلٌ جدًا: يقولون سنقطع الكهرباء والغذاء (عن غزّة) ويقومون بقطعها…ليس ثمّة صعوبة لإثبات ذلك". هذا هو تعليق المحامي الفرنسي، جيل دوفير، الذي يقود فريقًا قانونيًا يضم أكثر من 500 محامٍ يمثّلون الضحايا الفلسطينيين (من عائلات ومستشفيات).
في الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، قدّم "جيش من المحامين" (بحسب تسمية دوفير) شكوى إلى المدعي العام في المحكمة الدولية، أشارت إلى أنّ تهجير السكان ومنع الحصول على مياه الشرب والعناية الطبية، والتصريحات الرسمية الإسرائيلية التي برّرت قتل الفلسطينيين تشكل جريمة إبادة جماعية. وتساءل دوفير ما إذا كان باستطاعة المحكمة إصدار حكم بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مثلما أصدرت حكمها بحق بوتين في ما يتعلق بجرائم الحرب.
الجزائر من أوائل الدول التي أعلنت عن نيتها تحضير ملف شكوى ضد إسرائيل
أمام المحكمة نفسها، قامت نقابة المحامين في اسطنبول في 23 من الشهر نفسه، ومن خلال وفد من الخبراء القانونيين، بتقديم ملفّات تحملُ في طيّاتها دلائل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة مستندة إلى صور وفيديوهات من وكالة "الأناضول الإخباريّة" بالإضافة إلى تصريحات من شهود وضحايا.
وأشار أحد أعضاء الوفد، وهو رئيس لجنة العدل بالبرلمان التركي، جنيد يوكسل، إلى أن غياب عضوية إسرائيل في المحكمة الدولية الجنائية لا يمنع محاكمة المسؤولين الإسرائيليين، لأن الطرف المتضرر (فلسطين) هي عضو في هذه المحكمة. وفي هذا السياق، أشار دوفير سابقًا إلى أن "جميع المجموعات والفصائل الفلسطينيّة المسلحة تقبل أحكام المحكمة الدولية في حين ترفضها إسرائيل".
أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية كريم خان في بيان رسميّ في 17 تشرين الثاني/نوفمبر تلقي مكتبه طلبات للتحقيق في هجوم إسرائيل على غزّة من قبل خمس دول وهي جنوب أفريقيا وبوليفيا وبنغلادش وجزر القمر وجيبوتي.
شكل خان مع بداية ولايته في العام 2021 فريقًا متخصّصًا لتعزيز التحقيق في ما يتعلق بالوضع في دولة فلسطين. وذكر أن هذا الفريق جمع حتى الآن كمية كبيرة من المعلومات والاتصالات (من غزة) لحفظها وتحليلها، بالإضافة إلى تلقي عدد كبير منها عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للمحكمة.
تقدمت "مراسلون بلا حدود" بشكوى بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب إلى المحكمة الجنائية
وقال في زيارة حديثة له إلى معبر رفح إنّ إعاقة دخول إمدادات الإغاثة إلى قطاع غزّة قد تشكل بحد ذاتها جريمة حرب يقع التحقيق فيها تحت اختصاص المحكمة بموجب اتفاقيات جنيف.
وكانت الجزائر من أوائل الدول التي أعلنت عن نيتها تحضير ملف شكوى ضد إسرائيل في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر، ليعلن الرئيس الكولومبي في اليوم التالي مشاركة بلاده مع الجزائر في تحضير هذا الملف.
وفي إطار متابعة هذه الخطوة، شارك دوفير في ندوة أطلقتها الجزائر يومي 29 و30 تشرين الثاني/نوفمبر تهدف إلى تنظيم المحامين لتشكيل اتحاد عالمي لمساندة فلسطين وشعبها قانونيًا ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة.
قامت ثلاث جمعيات حقوق إنسان فلسطينيّة أيضًا ("الحقّ"، و"مركز الميزان لحقوق الإنسان"، و"المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان") ممثلة بمحاميها إمانويل داود بتقديم شكوى أمام المحكمة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر. وعلى خلفيّة قتل صحافيّين وإصابتهم وتدمير مباني للوسائل الإعلامية في غزّة، وصلت شكوى "مراسلون بلا حدود" بشأن ارتكاب إسرائيل جرائم حرب إلى مكتب المدعي العام للمحكمة ذاتها في 31 تشرين الأوّل/أكتوبر.
برغم كل ما سبق، فإن التساؤل الأساسي يتمثل بقدرة المحكمة الجنائية على محاسبة إسرائيل على جرائمها، علمًا أنّ الأخيرة لم توقّع حتّى اللحظة على اتّفاقية روما التي تحدّد الأفعال المؤسّسة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة، ولا تعترف بصلاحية المحكمة في التحقيق بهذه الجرائم، وقد رفضت، بالتالي، أحكامًا سابقة صادرة عن هذه المحكمة.
غير أن الجهود القضائية التي تُبذل جزء من عدّة الضغط على إسرائيل، الذي تمارسه شبكات تحتيّة شعبية على امتداد العالم، حتى تُوازن تسيّد إسرائيل المشهد الفوقي، في غالبية دول الغرب.