رحلة الحيوانات إلى عالم الـinfluencers والشهرة

صناعة صورة "الحيوان المؤثر" باتت مهنة مربحة لكثيرين. وما يؤكد ذلك وجود رواد أعمال أسّسوا وكالات تضع استراتيجيات تسويقية للحيوانات الأليفة.

تمتلك مئات الفساتين والإكسسوارات، ولديها أيضًا جدولُ أعمال حافل يزدحم بالفعاليات وعروض الأزياء التي تحضرها أو تفتتحها كأيقونة أزياء وشخصية مؤثرة. حياتها مليئة بالسفر والعيش تحت الضوء والتنقل بين المدن الكبرى والأوتيلات الفخمة ومقابلة المشاهير. كما أنها أيقونة لمجتمع "الميم". لكنها، ولسخرية القدر، لا تهتم بكلّ ذلك، بل ربما تفضّل الجري وراء كرة أو تناول عظمة صغيرة.

الكلبة "تيكا" أيقونة الموضة ومجتمع "الميم"

تمتلك الكلبة (Tika)، وهي كلبة سلوقية إيطالية، أكثر من مليون متابع على "إنستغرام". وتُكدس في خزانتها ما يتجاوز 200 قطعة ثياب. تدين "تيكا" بشهرتها لصاحبها توماس شابيرو وزوجه لويس المُقيمين في كندا، واللذين أرادا، بحسب مقابلة أجريت معهما، كلبًا صغيرًا يناسب شقتهما الصغيرة. لكن، لأن هذا النوع من الكلاب ضئيل الحجم ولا يملك طبقة كثيفة من الوبر، كانت "تيكا" تبدأ بالارتجاف بمجرد انخفاض درجات الحرارة. جعل هذا من "المعاطف السميكة" حاجة ضرورية لها.

لذلك، بدأ صاحباها بتصميم ثياب مبتكرة لها، وراحا ينشران صورها على منصات التواصل الاجتماعي. فأصبحت، دون علمٍ منها، أيقونة للموضة، بثيابها الملونة التي تدخل في تصميمها خاماتٌ مختلفة من القماش والفرو والريش.

تمتلك "تيكا" اليوم وكيلة أعمال خاصة بها، إضافة إلى علامة تجارية تحمل اسمها. كما أنها تصدرت مجلة "فوغ"، حيث نشرت المجلة الشهيرة مقالة تقترح فيها على قرائها كيفية ابتكار نسخ بشرية من ملابس "تيكا".

وراء كلّ حيوان مُحبّب صانع محتوى ذكي

وبرغم أن شهرة هذه الكلبة الصغيرة قد تبدو لكثيرين غير قابلة للتصديق، إلا إنّ الصدمة الحقيقة تكمن في معرفة أن هناك حيوانات أليفة أخرى تفوقها شهرة على منصات التواصل. إذ يمتلك الكلب جيف نحو 33 مليون متابع على المنصات المختلفة مجتمعة، من "إنستغرام" إلى "تيك توك" و"فيسبوك". في حين يراكم الكلب دوغ، الذي يشتهر بوجهه المتجهم وعينيه الحزينتين، بضعة ملايين من المتابعين.

لكنّ قائمة المشاهير من الحيوانات لا تقتصر على الكلاب، بل تتضمن أيضًا القنافذ الصغيرة والخنازير الوردية والقطط والضفادع التي يتخفّى وراء صفحاتها "صانعو محتوى" بشر يستثمرون شعبيّتها لدى رواد "السوشال ميديا".

وتدرّ الحيوانات المحبّبة المنتشرة على "إنستغرام" أموالًا طائلة لأصحابها. فـ"الحيوان المؤثر" بات لقبًا مكرسًا، ولا يُقال على سبيل المزاح. إذ إلى جانب الترويج لأطعمة الحيوانات الأليفة وملابسها وألعابها، تستثمر شركات مختلفة جماهيرية هذه الحيوانات للترويج لعلامات تجارية شهيرة وسلاسل فنادق فخمة.

وما يؤكد أن صناعة صورة "الحيوان المؤثر" باتت مهنة مربحة لكثيرين، وجودُ رواد أعمال أسّسوا وكالات يعود تاريخ بعضها إلى عام 2015، تُقدّم خدمات لأصحاب الحيوانات الأليفة وتضع استراتيجيات تسويقية لها. يمكن القول، والحال هذه، إن هؤلاء يعملون مع "أكثر الحيوانات الأليفة نفوذًا في العالم".  

مشاهير الحيوانات كموضوع للدراسة الأكاديمية

قد تبدو ظاهرة "المشاهير من الحيوانات" موضوعًا طريفًا للدراسة الأكاديمية. لكن هناك بالفعل باحثون اهتمّوا بالإضاءة عليها، من بينهم الباحث البريطاني ديفيد جايلز (David Giles) المهتم بمجال علم النفس الإعلامي، والذي أنجز عام 2013 دراسة حول "المشاهير من الحيوانات".

في العادة، تركّز الدراسات التي بحثت في ظاهرة الشهرة وصناعة المشاهير على البشر فقط. لكن جايلز، في دراسته، يحاول إثبات أن الشهرة هي العملية التي يحوّل بها الإعلام ومؤسساته الكائنات الفردية، بشرية كانت أم غير بشرية، إلى موضوع لرغبات الجماهير. من هنا، تركز دراسته بصورة أساسية على أمثلة لحيوانات نالت شهرة كبيرة، بينها الأخطبوط بول في أوكواريوم مدينة أوبرهاوزن الألمانية الذي ارتبط اسمه بتوقّع الفرق الفائزة بكأس العالم عام 2010، وبينها الدب القطبي كنوت الذي وُلد في حديقة حيوانات في برلين وظهر في السينما وأضحى موضوعًا للعديد من الأغنيات، كما تصدر غلاف مجلة Vanity Fair برفقة الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو، ليمسي بذلك رمزًا يضيء على الخسارات التي يسبّبها الاحتباس الحراري لكوكب الأرض.

بخلاف البشر، لا تملك الحيوانات دافعًا للاهتمام بالشهرة، لهذا لا يمكن إلّا أن تكون "على طبيعتها"

في عمله، يجادل جايلز بأن ظاهرة المشاهير من الحيوانات تسمح لنا بتأمل عمليّة صناعة "الكائن المشهور" ومن ثم استهلاكه من قبل الجمهور بصورة مجرّدة، أي بعدما ننحّي جانبًا أيّ التباسات قد تواجهنا لدى دراسة المشاهير من البشر.

ترى الدراسة أن شهرة الحيوانات لم تكُن بالأمر الجديد. ففي حين اقترنت شهرة بعضها بأبحاث علميّة كحال النعجة المُستنسخة دولي، ارتبطت أسماءُ أخرى بعمليّات إنقاذ كبيرة نالت تغطية إعلاميّة مكثّفة، لعلّ واحدة من أشهرها تلك التي حملت عنوان "النبض تحت الركام"، ذاك الذي شعرت به كلبة الفريق التشيلي المشارك في عمليات البحث والإنقاذ عقب مأساة انفجار مرفأ بيروت عام 2020.

وبالإضافة إلى ما سبق، هناك حيوانات المشاهير، أي من نال بعضًا من شعبية أصحابه، كشامبانزي مايكل جاكسون والحيوانات الخاصة ببعض السياسيين البارزين كالكلب الذي يصطحبه عادة الرئيس الأميركي إلى "البيت الأبيض"، أو صائد الفئران لاري، قط 10 داونينغ ستريت، مقر رئاسة الحكومة البريطانية.

ترى الدراسة أيضًا أن الحيوانات، بخلاف البشر، لا تملك دافعًا للاهتمام بالشهرة ولا تسعى إليها. وبخلاف البشر أيضًا، لا يمكن للحيوانات إلّا أن تكون "على طبيعتها"، ولا حاجة بالتالي للسؤال عن درجة أصالتها أو عما إذا كانت تتخفّى وراء أيّ نوع من الأقنعة.

وتقترح الدراسة تصنيف شهرة الحيوانات تبعًا لأربعة معايير، الأول هو "التجسيد"، أو إسباغ خصائص بشرية على الحيوانات، كالأخطبوط القادر على التنبؤ، والقط القادر على عزف البيانو، والشمبانزي الذي يجيد لغة الإشارة. في حين أن هناك حيوانات تُستخدم لأغراض ترويجية للتعريف بحدائق الحيوانات، ويتضمّن هذا المعيار الحيوانات النادرة أو تلك التي تمّ إنقاذها، وبات المتابعون مهتمّين بمعرفة ما آلت إليه حياتها في حدائق الحيوانات أو المحميّات الطبيعية. وهناك أيضًا معيار الحيوانات المشوّهة أو الغربية كالأفعى التي تملك رأسين. وهناك أخيرًا الحيوانات الأليفة الخاصة بالمشاهير في عوالم الفن والسياسة وخلافها.

في المحصلة، قد يعكس حبّ البشر للحيوانات توقَهم للبراءة أو الرجوع إلى الطبيعة. لكنّ البشر، كالعادة، ينجحون في تسليع المنتجات والكائنات بما في ذلك الحيوانات. هل يروق ذلك للحيوانات المُسلّعة؟ تكفي مشاهدة الكلبة "تيكا"، منكمشة على ذاتها بين أيدي أصحابها، ومذعورة من الأضواء والكاميرات المحيطة وضجيج البشر وازدحام العروض، للتأكد من أن قاعات الأزياء هي آخر مكان ترغب بالتواجد فيه. 

نحن فعل الكون المضارع

"أكون أو لا أكون". أعتقد أننا نحن السوريون نقّدر هذا النوع من البلاغة بصورة خاصة. فعبارة هاملت تختصر معظم...

نور أبو فرّاج
زمن "الـسكوبات": الإعلام السوري الخاص غارقٌ في النميمة الفنية

كان يمكن التساهل مع المحتوى الإعلامي السوري لو كانت اللقاءات الصريحة والفظة مع المشاهير جزءًا من لقاءات ص...

نور أبو فرّاج
روميو على أريكة فرويد

لفترة طويلة، تكرّس معيار "التناغم" لدى الحديث عن العلاقات العاطفية الناجحة، بوصفه المعيار الأبرز لعلاقة م...

نور أبو فرّاج

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة