الصحّة الجنسيّة والإنجابيّة في تجمّعات اللاجئين السوريين

تواجه اللاجئات معوقات مادية وقانونية وثقافية تتعلق بالوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإجهاض، بالإضافة لنقص الوعي بوسائل منع الحمل المتاحة وفعاليتها، وهو ما يدفع النساء للجوء إلى طرق غير آمنة حين يتعلق الأمر بالإجهاض.

لم تكن غالية على علم بوسائل منع الحمل عند تزويجها في عمر الخامسة عشر لابن عمها. تقول لي: "كنت على وشك الموت أثناء الولادة لأن جسمي كان شديد الصغر والضعف. لم يخبرني أحد أنّي أستطيع الانتظار للانجاب". 

أثناء حملها بطفلها الثاني بعد سنة، شاركت غالية في ورشة توعية للنساء الحوامل في المخيم حيث تقيم، نظمّتها إحدى المنظمات الدولية. "بعد سنتين من الزواج، علمت أن هناك طرقًا متنوعة لمنع الحمل. شعرت بالخجل حينها لأنّي كنت أقل معرفة من جميع المشاركات. وعندما لُمت أختي الوحيدة لعدم إخباري، شرَحَت لي أنها لم تكن تريد مني أن أتخذ أي قرار يمكن أن يُغضب زوجي. كانت تريد حمايتي، على حد قولها".

ماذا تقدم المنظمات الدولية؟

بحسب المفوضيّة السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تتضمّن الصحّة الإنجابية خدمات عدّة، أهمّها: الرعاية قبل الولادة وبعدها، والوصول إلى سبل منع الحمل وتنظيم الأسرة، والإدارة السريريّة لحالات الاغتصاب وعنف الشريك، والتعامل مع مضاعفات الإجهاض. 

تقدّم منظمة "أطبّاء بلا حدود" خدمات لضمان فترة حمل صحيّة وولادة آمنة للاجئات السوريات في مراكز رعاية الأم والطفل الثلاثة في كل من مجدل عنجر وعرسال في البقاع وشاتيلا في بيروت. وتوفّر هذه المراكز الولادات الطّبيعيّة المجانيّة ورعاية النساء منذ أشهر الحمل الأولى وصولًا إلى مرحلة ما بعد الولادة. وفي حال حدوث مضاعفات أثناء الولادة، يقوم فريق طبّي متخصصّ بالإجراءات اللازمة لضمان استقرار حالة المريضة قبل إحالتها إلى إحدى مستشفيات المنطقة.

كما تشارك المفوضيّة العليا في دفع فواتير المستشفيات للاجئين السوريين بغض النظر عن وضعهم القانوني. لكنهم قد يُمنعون من الدخول إلى المستشفى أو تُصادَر بطاقة اللاجئ الخاصة بهم في حال عدم قدرتهم على تسديد الفرق، وهو ما يعني حرمانهم من قسائم الطعام أيضًا إلى حين سداد الفواتير. وتطالب المفوضية اللاجئات الحوامل بالتوجه إلى المفوضية خلال فترة الحمل، وإلا فإنها لن تتمكن من دعم تكلفة الولادة بعد الدخول إلى المستشفى. 

الولادة في المنازل والخِيم

رغم جهود المنظمات الدولية لتوفير خدمات الصحة الأولية بشكل مجاني أو شبه مجاني، تمثل العوائق المادية كتكاليف زيارة الطبيب وأجور النقل حاجزًا أساسيًا في وجه وصول اللاجئين إليها، خصوصًا النساء. لذلك، يلجأ كثير من اللاجئات للولادة في المنزل أو في الخيمة من دون مساعدة قابلة متدربة، وفي ظروف صحية غير ملائمة أو آمنة.

ويعتبر ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية قبل الولادة من أهم أسباب الولادات المبكرة وانتشار حالات التهاب المسالك الإنجابية بين اللاجئات السوريات في لبنان. كما يؤثر فقر الحمية الغذائية الناتج من تردي الظروف المعيشية على صحة الحامل والمولود. 

كما تُعدّ اللاجئات والنازحات داخليا من الفئات المجتمعية الأكثر عرضة للعنف الجنسي، والأقل حظًا في الوصول لخدمات وأدوات تنظيم الأسرة/وسائل منع الحمل. نتيجة لذلك، تختبر هذه الفئة حملًا غير مرغوب فيه أكثر من غيرها، وكثيرًا ما تضطر إلى اللجوء لخدمات الإجهاض.

وتواجه اللاجئات والنازحات داخليًا معوقات مادية وقانونية وثقافية أيضًا، تتعلق بالوصمة الاجتماعية المرتبطة بالإجهاض والخوف من التمييز، بالإضافة لنقص الوعي بوسائل منع الحمل المتاحة وفعاليتها ودرجة ملاءمتها التي تختلف من امرأة لأخرى، وهو ما يدفع النساء للجوء إلى طرق غير آمنة حين يتعلق الأمر بالإجهاض.  

بحسب United Nations Population Fund، فإن ما بين 25–50% من حالات الوفيات بين الأمهات في أوساط اللاجئين وقعت بسبب مضاعفات الإجهاض غير الآمن. وتعرّف منظمة الصحة العالمية الإجهاض غير الآمن بـ "إنهاء الحمل إما من قبل أفراد يفتقرون للمهارات أو المعلومات اللازمة"، أو ذاك الذي "يتم في بيئة لا تلبي المعايير الطبية الدنيا أو كلا الأمرين". ويمكن لعمليات الإجهاض التي تجري من دون إشراف متخصصين/ات أن تؤدي الى الوفاة. 

مصادر المعلومات:
العائلة والإنترنت.. ثم الطبيب

تفتح غالية هاتفها وتطلب مني الانتظار قليلًا ريثما تجد الصور. بعد دقائق، تصرخ بحماسة "هاه لقيتها"، وتدير الهاتف نحوي لتريني صور أجنة صغيرة جدًا منكمشة على نفسها، وتقول: "وقت حملت للمرة التانية كنت خايفة يصير معي متل أول مرة أو موت، ففكرت بالإجهاض وخبرت إختي عالواتساب. بعتتلي هالصورة وقالتلي كيف فيكي تقتلي هالرّوح؟".

شرحت لغالية أن هذه الصور غير دقيقة وأن الجنين في الأسابيع الأولى يكون عبارة عن أغشية فقط، وأريتها الصور التي نشرتها "الغارديان" منذ أشهر عدة عن شكل الأجنة قبل عمر العشرة أسابيع. فنظرت إلى الصور بشك، ونظرت إليّ بشكّ أكبر، ثم نهضت لتعدّ لنا القهوة.

يعدّ الوعي بمواضيع الصحّة الإنجابية والجنسية ومصادر تلقي خدماتها والمعلومات المتعلقة بها أمران أساسيان لضمان صحة المرأة، وتشكل الوصمة الاجتماعية المرتبطة بهذه المواضيع حاجزًا أمام وصول النساء للمعلومات الصحيحة.  نشرت International Journal of Environmental Research and Public Health في 2021 دراسة لتقييم المعرفة بالصحة الإنجابية والجنسية والتجربة في الوصول لهذه الخدمات بين اللاجئات السوريات الشابات الكرديات والعرب في منطقة برج حمود في لبنان.   

 لجأت غالبية النساء التي شملتهن الدراسة للقريبات من العائلة أولًا للحصول على المعلومات، وأتى الأصدقاء في المرتبة الثانية ثم الزوج والأم أو الأخت، ثم كان اللجوء إلى الطبيب أو الممرض كملاذ أخير. كما شكّل الإنترنت مصدرًا مهمًا لهؤلاء اللاجئات للبحث عن المعلومات، فاستخدمت 66.5% منهن "يوتيوب" و 26% محرك البحث "غوغل" و 7.5% مواقع التواصل الاجتماعي كـ"فيسبوك" و"إنستاغرام".

تشرح لي غالية، بحماس، الأهمية التي اكتسبها الانترنت بعد دخوله لحياتها لجهة البحث عن المعلومات المتعلقة بالصحة وغيرها: "بستخدم يوتيوب طول الوقت. بدور أغلب الأحيان على أخبار سوريا ومدينتي حماة، وكمان بس يمرض حدا من الولاد وما إقدر آخده عالدكتور أو يصير عندي مشكلة نسائية بستحي قولها لحدا".

 

ما زالت غالية تواجه صعوبات في استخدام الإنترنت بسبب معرفتها المحدودة بالقراءة والكتابة، لذلك تلجأ إلى "يوتيوب" بالدرجة الأولى لاعتماده على الصوت والصورة بالدرجة الأساس.

بحسب هذه الدراسة، تختبر اللاجئات السوريات في لبنان صعوبات في التماس خدمات الصحة الإنجابية والجنسية لارتفاع تكلفتها وغياب مقدمي الرعاية الصحية من النساء والسلوكيات التمييزية تجاه اللاجئات. وأظهر أحدُ تقييمات الحاجة للرعاية الصحية أن 38% من اللاجئات السوريات في لبنان يعتقدن أن خدمات الصحة الإنجابية والجنسية غير متوفرة عمليًًا، وأن 32% منهن فقط يعتبرن أن الوصول لخدمات الصحة الإنجابية والجنسية سهل، فيما تجهل 17% منهن وجود هذه الخدمات بالأساس.

وقد زارت غالبية النساء اللواتي شملتهن الدراسة، أي 80.8% منهن، أحد المراكز الصحية في لبنان لمرة واحدة على الأقل. وترغب غالبيتهن في العودة، فيما صرحت البقية عن أسباب عدة لعدم رغبتهن بالعودة. 

  

ولدى سؤالهن عما يفضلن في ما يخص جنس مقدمي الرعاية الصحية، قالت أكثر من نصفهن 52.2% إنهن يفضلن أن تكون مقدّمة الرعاية امرأة، ولم يكن لدى 46.5% منهن مانع في جنس مقدم الرعاية الصحية، بينما فضَّلت 1.3% منهن أن يكون مقدمو الرعاية من الرجال. 

اعتمدت غالبية النساء، أي 84.2% من التي شملتهن الدراسة على أزواجهن ماديًّا، بينما اعتمدت البقية على أفراد العائلة. ومن أصل 297 امرأة شابة، كانت 14 منهن مستقلة ماديًّا من خلال عملها في برج حمود، ولم تعتمد أي واحدة منهن على الدعم المباشر من "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين" أو أي منظمة غير حكومية أخرى.

يؤدي الاستقلال المادي للنساء دورًا مهمًا في امتلاكهن زمام الأمور في ما يخصّ حياتهن وأجسادهن، خصوصًا في البلدان العربية التي تعتبر جسد المرأة ملكًا للعائلة أو للزوج أو حتى المجتمع. في حالة الفئات الأكثر هشاشة كاللاجئات، يسهل على المجتمع التحكم بالمرأة وجسدها لأسباب عدة، أهمها الظروف المعيشية السيئة التي تجعل النساء يرضخن في غالب الأحيان في سبيل حياة أفضل. لذلك، لا تملك غالبية النساء الكلمة الأخيرة/القاطعة بما يخص صحّتها الإنجابية والجنسية. وتشير الأرقام إلى أن 34.3% من النساء عليها أن تشارك قرارها مع زوجها أو أحد أفراد العائلة في ما يخص صحّتها. 
 

* أُنجز هذا التحقيق بدعم من "صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية” UNDEF ومنظمة “صحافيون من أجل حقوق الإنسان" Journalists for Human Rights.

                                                                    

"كانوا مفكريني ملبوسة من جنّي": الاكتئاب عند اللاجئين السوريين

برغم دور خدمات الصحة النفسية في التخفيف من حدة أعراض الاكتئاب على المدى القصير، فإن المصابين به من اللاجئ...

سارة خازم
لاجئون بلا مسكن

في الفترة الأخيرة، تعالت أصوات حقوقيين في لبنان مطالبة بوقف الإجراءات التعسفية بحق اللاجئين السوريين في م...

سارة خازم
لعنة لا تنتهي…

وصلتُ إلى بيروت بعد سنتين من الانقطاع عنها. وجدتُ المدينة التي كانت معشوقتي الأولى أيام الزيارات السياحية...

سارة خازم

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة