إنّه زمن "السكوبات القوية"، و"التريندات"، وجميع المصطلحات الإعلامية المبهمة التي استعارها الإعلاميون وصانعو المحتوى السوريون من اللغة الإنكليزية، لخلق إيهام بالمعاصرة ومواكبة الإعلام العالمي في تغطية فضائح المشاهير.
في الوقت الذي لم يتّسع فيه هامش الحرية الإعلامية داخل سوريا قيد أنملة لمناقشة القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الملفات العالقة والحساسة، أُعطي الضوء الأخضر للإعلام السوري الخاص لإبهار الجماهير باستعراضٍ مصطنعٍ للحريّات، حيث يقوم مذيعون شباب بطرح أسئلة محرجة وحساسة على الضيوف، طالما بقيت هذه الحوارات ضمن نطاق الخيانات الزوجية وعمليات التجميل والنمائم على الزملاء الآخرين في الوسط الفني.
برامج كثيرة ومحتوى واحد
يأتي في صدارة البرامج الذي تقدّم هذا النوع من المحتوى الذي يدور حول حياة المشاهير وفضائحهم، برنامج "أنا إنسان" الذي يقدمه المذيع عطية عوض. والبرنامج من انتاج ما يُعرف بمجموعة "يلا غروب" ويعد استكمالًا لبرنامجه الذي بدأه مع إذاعة "شام FM" تحت اسم "نبض العاصمة مع عطية عوض". ضمن السياق ذاته، هناك منصة "ديلي دراما" التي تعد وفق مؤسسيها جزءًا مما يُعرف بـ"شبكة يوميات" التي بدأت عملها مع صفحة "يوميات قذيفة هاون" على "فيسبوك"، وهي اليوم، وإلى جانب الأخبار الميدانية، تنتقل لتغطية أخبار المشاهير عبر مقابلات يجريها الإعلامي الشاب ماجد العجلاني مع فنانين ومشاهير سوريين وعرب. وهناك أيضًا منصة "Q media" التي تهتم أيضًا بتغطية أخبار المشاهير واجراء لقاءات خاطفة مع الفنانين. كما لا بد من ذكر برنامج "المختار" الذي قدمه الإعلامي والمذيع السوري باسل محرز في إذاعة "المدينة FM" لمدة 11 موسمًا وتوقف أخيرًا، وإن كان المختار لا يستضيف الفنانين فحسب بل مسؤولين ورياضيين وشخصيات أخرى أيضًا، برغم أن لقاءاته مع الممثلين تنال اهتمام المتابعين الأكبر.
المرابطة عند مجالس العزاء بحثًا عن "السكوب"
برغم الاختلاف الطفيف في طبيعة المنصات السابقة وإخراجها، يبقى ثمة تشابهٌ كبيرٌ في الآلية التي تعمل بها. فمن أجل إنتاج الريبورتاجات القصيرة واللقاءات الخاطفة، "يعسكر" الإعلاميون العاملون في هذه المنصات أمام مجالس عزاء الفنانين المتوفين لاقتناص لقاءات سريعة مع ممثلين يخرجون بعيون دامعة، أو يتسابقون في التواجد في دار الأوبرا أو غيرها من المنابر التي قد تستضيف إحدى الفعاليات الثقافية. كذلك تشكل كواليس تصوير المسلسلات والأعمال السورية المختلفة الوجهة الأفضل من أجل إجراء لقاءات مباشرة مع الفنانين، لكن المساحة الأبرز تخصَّص للتلصص الافتراضي على صفحات الفنانين وحساباتهم على "السوشال ميديا"، والتي ستشكل في ما بعد موضوعات دسمة.
البرامج الحوارية سطحية واستفزاز
وبالانتقال إلى البرامج الحوارية التي، كما يُفترض، تتجاوز منطق "سؤال على الماشي" وتستلزم وقتًا أطول في الإعداد والتحضير، نرى أن المحتوى المقدم لا يقل سطحية تصل إلى حدود الاستفزاز.
ففي الحلقات الأخيرة من برنامج "المختار"، يسأل باسل محرز ضيفه وفيق حبيب لماذا لا يضغط زر "متابعة" (follow) لزملائه المطربين الآخرين. ومن ثم يفاجئ ضيفه بالقول: "ما بطلت هي الكليشهات" اعتراضًا على جملة قالها حبيب ووجدها باسل أشبه بعبارات جاهزة لا تعكس الحقيقة.
أما برنامج "أنا إنسان" من تقديم عطية عوض، فهو منتحل بالكامل من حيث فكرته وطبيعة الديكورات المستخدمة من برنامج (AB talks) الذي يقدمه الإعلامي الإماراتي أنس بوخش، ويطمح به لـ"اكتشاف الإنسان خلف الألقاب"، حيث يتطرق برنامج بوخش عبر حوارٍ هادئ لأفكارٍ تظهر "فلسفة حياة" ضيوفه ونظرتهم إلى أنفسهم وأعمالهم.
لكن البرنامج بنسخته السورية المُقلًّدة يقع مجددًا في مطب الفضائح وجر الضيوف لتقديم تصريحات نارية. إذ يحاول عطية عوض المزج بين محاورة ضيفه بهدوء واستفزازه، لينخرط في النميمة على غيره من الزملاء. وحينما لا ينجح في ذلك كله، يختار التطرق إلى حادثة موت أحد المقربين من الضيف، عله ينجح في استجرار دموعه. وإذا ما فشلت المحاولات المذكورة ينتقل إلى توجيه أسئلة لضيفاته حول لباسهن وسلوكهن على السوشال ميديا.
وفي آخر المقابلات المنشورة مع الإعلامي السوري شادي حلوة، يسأل عطية عوض أيضًا ضيفه عن سبب زيادة وزنه، وما إذا فكّر بحقن نفسه بالـ"بوتوكس" أو "الفيلر". وفي مقابلة عُرضت أخيرًا، يستضيف عوض الفنانة حنان اللولو بعد وفاة ابنها بـ 40 يومًا ليسألها عن مشاعرها بعد رحيله، ويستعيد معها ذكرى موت زوجها لتصبح الحلقة أقرب إلى مجلس عزاء لم يخلُ من توجيه الشتائم إلى بعض المنتجين الذين عملت معهم هي سابقًا، والحديث عن المشاهد الجريئة التي عُرضت عليها. وعلى اعتبار أن مفهوم الجرأة ذاته إشكالي وغير مفهوم بالنسبة لبعض المذيعين السوريين، نراهم يخلطون بين الجرأة وعدم المهنية، فنرى عطية عوض يهدد إحدى ضيفاته – بخجل – بطرح سؤال حول موضوع طالبت هي قبل الحلقة بعدم التطرق له، لتكون المواجهة بين الاثنين أكثر لحظات الحلقة "إثارة".
النميمة الفنية موقف سياسي
بالطبع، لا يمكن القول إن ملاحقة أخبار المشاهير بدعة سورية، فهي حمّى عالمية نالت ما نالته من اهتمام أكاديمي بَحَث في إغواء التلصص على حياة المشاهير وتتبع أخبارهم. لقد وجدت دراسة حديثة على سبيل المثال أن الناس الأكثر هوسًا بأخبار المشاهير يسجلون درجات أقل في اختبارات المقدرات الإدراكية، في حين تساءلت دراسات أخرى إن كانت أخبار المشاهير تعتبر أخبارًا حقًا، بالمعنى الإعلامي للكلمة.
في الحقيقة، كان يمكن التساهل مع هذا المحتوى الإعلامي السوري أو تجاهله لو كانت اللقاءات الصريحة والفظة مع المشاهير جزءًا من لقاءات صريحة أخرى مع سياسيين ومفكرين ومثقفين، لكنها، وفي غياب أشكال "الصراحة الأخرى" كافة، تمسي أقرب إلى تعبيرات عن عقد النقص أو استعراض عضلات يأتي في غير موضعه.
وأمام هذا المشهد المكتظ بالنمائم الفنية، تبرز بعض الآراء المتحسرة على عدم مواكبة الإعلام الرسمي السوري هذه البرامج من حيث "جرأتها" و"شعبيتها"، كما لو أن هناك من يصدق بدايةً أن هناك فصلًا بين ما يُسمى بالإعلام السوري الخاص والإعلام العام، أو كما لو أن إغراق السوريين بالنمائم الفنية ليس نهجًا سياسيًا في المقام الأول. ولهذا، قد لا يكون منصفًا توجيه انتقادات فردية للقائمين على هذه البرامج. فهم في النهاية جزءٌ من منظومة سياسية تبنت هذا التوجه لتكريس أكبر درجة من التسطيح والانفصال عن الواقع. هكذا، لن يحصل السوريون اليوم عبر إعلامهم "الخاص" و"العام" على السواء على الكثير من الإجابات التي ينتظرونها، لكنهم سيعرفون حتمًا لماذا لا يفكر الفنان الفلاني بحقن جبينه بالبوتوكس.