ما الذي يعنيه الدفاع عن أوروبا؟
يعود الفيلسوف السلوفيني، سلافوي جيجيك، في هذه المقالة لانتقاد ازدواجية المعايير الأوروبية حيال اللاجئين. وهو يرى أن الطريق الأمثل لدفاع أوروبا عن نفسها يتمثل بتقديمها خيارات أفضل من تلك التي تقدمها روسيا أو الصين.
يعود الفيلسوف السلوفيني، سلافوي جيجيك، في هذه المقالة لانتقاد ازدواجية المعايير الأوروبية حيال اللاجئين. وهو يرى أن الطريق الأمثل لدفاع أوروبا عن نفسها يتمثل بتقديمها خيارات أفضل من تلك التي تقدمها روسيا أو الصين.
ما يجب أن يقلقنا الآن هو أنَّ التطرف الذي نشهده ليس تطرفًا بلاغيًا فحسبالآن، إنَّ بعضًا ممن يدعون أنفسهم يساريين (ولستُ منهم) يلقون باللوم على الغرب لحقيقة أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن كان محقًّا بشأن نوايا بوتين. والحجة معروفة: كان "الناتو" يطوّق روسيا رويدًا رويدًا، مهيّجًا الثورات الملوّنة في الخارج الروسيّ القريب، ومتجاهلًا المخاوف المحقّة لبلدٍ كان الغرب قد هاجمه في القرن الأخير. ثمّة، بالطبع، جانب من الحقيقة هنا. لكن الاقتصار على قول ذلك وحده يكافئ التبرير لهتلر بإلقاء اللوم على "معاهدة فرساي" الظالمة. والأسوأ، أنّه يقرّ بأنَّ للقوى العظمى الحقّ في مناطق نفوذ على الجميع أن يخضعوا لها في سبيل الاستقرار العالمي. واعتبار بوتين أنّ العلاقات الدولية هي تنافس قوى عظمى، ينعكس في زعمه المتكرر أن لا خيار أمامه سوى التدخل العسكري في أوكرانيا. هل هذا صحيح؟ هل الفاشية الأوكرانية هي المشكلة حقًا؟ الأجدر توجيه السؤال إلى روسيا بوتين. إنّ منارة بوتين الفكرية هي إيفان إيلين الذي أُعيد طبعُ أعماله وأُتيحت للموظفين والمجنّدين. وبعد طرد إيلين من الاتحاد السوفيتي في أوائل عشرينيات القرن الماضي، راح يدافع عن طبعة روسية من طبعات الفاشيّة: الدولة باعتبارها جماعة عضوية يقودها عاهل أبوي، تتمثل فيها الحرية بمعرفة كل امرئ مكانه. والهدف من الاقتراع عند إيلين (كما عند بوتين) هو التعبير عن الدعم الجمعي للزعيم، وليس جعله شرعيًا أو اختياره. يتبع ألكسندر دوغين، فيلسوف البلاط لدى بوتين، خطا إيلين، مضيفًا بعض الزخرفة النسبية التاريخية ما بعد الحداثية: "ما تُدعى الحقيقة هي مسألة إيمان كلّها. ولذلك نؤمن بما نفعل، نؤمن بما نقول. وهذه هي الطريقة الوحيدة لتعريف الحقيقة. ولذلك لدينا حقيقتنا الروسية الخاصة التي يجب أن تتقبلوها. إذا كانت الولايات المتحدة لا تريد أن تبدأ حربًا، عليكم أن تدركوا أن الولايات المتحدة لم تعد سيّدًا أوحد. وبالنظر إلى الوضع في سوريا وأوكرانيا، تقول روسيا: ’لا، لم تعودوا الرأس بعد الآن‘. أمّا السؤال من يحكم العالم، فالحرب وحدها هي التي يمكن أن تقرر ذلك". ولكن ماذا عن الشعبين في سوريا وأوكرانيا؟ هل يمكنهما أيضا اختيار حقيقتهما الخاصة أم أنهما مجرد ساحة معركة لحكّام العالم المزعومين؟ فكرةُ أنَّ لكلّ "طريقة من طرق الحياة" حقيقتها الخاصة هي ما يجعل بوتين محببًا لدى شعبويين يمينيين مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي أثنى على غزو روسيا لأوكرانيا باعتباره ضربًا من "العبقرية". والشعور متبادل: عندما يتحدث بوتين عن "التطهير من النازية" في أوكرانيا، يجب أن نبقي في الأذهان دعمه لجبهة ماري لوبين الوطنية في فرنسا، ورابطة ماتيو سالفيني في إيطاليا، وغير ذلك من الحركات النازية الجديدة الفعلية. ليست "الحقيقة الروسية" سوى أسطورة مريحة لتبرير رؤية بوتين الإمبراطورية، وأفضل طريقة تواجهها بها أوروبا هي مدّ جسور مع البلدان النامية والناشئة التي لدى كثير منها قائمة طويلة من المظالم المحقّة ضد الاستعمار والاستغلال الغربيين. لا يكفي "الدفاع عن أوروبا". والمهمة الحقيقية هي إقناع البلدان الأخرى بأنَّ الغرب يمكنه أن يقدّم لها خيارات أفضل من تلك التي يمكن أن تقدمها روسيا أو الصين. والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو تغيير أنفسنا باجتثاث الاستعمار الجديد بلا رحمة، حتى حين يأتي مرزومًا على هيئة مساعدة إنسانية. هل نحن مستعدون لأن نثبت أننا بالدفاع عن أوروبا نناضل من أجل الحرية في كلّ مكان؟ إنَّ رفضنا المشين معاملة اللاجئين على قدم المساواة يرسل للعالم رسالة مختلفة تمامًا. * لا تعبر المقالة بالضرورة عن رأي الموقع أو المترجم