حفيدات شهرزاد السوريّات يحكين في ألمانيا

بحكم عملي في عدد من المشاريع الموجّهة للاجئين والمهاجرين في ألمانيا، كنت، وما أزال على صلة وثيقة مع اللاجئين، خصوصاً السوريّين ، وعلى الأخصّ النساء. في تلك المشاريع، عرفت نساء كثيرات، وسمعت منهن وعنهن عشرات، بل مئات، القصص. قصص عن النجاح والخيبة، عن الرغبة والأمل، وعن الطموح والإحباط. وكلّ قصة من تلك القصص جديرة بأن تكون موضوعاً لرواية طويلة، تتعرّى فيها القيم الإنسانية الزائفة المقنّعة. لم تكن صاحبات تلك القصص (أو بطلاتها) مثقّفات أو كاتبات أو حتى ناشطات، بل كنّ نساء عاديّات. ولعل ذلك هو السبب في أنَّ أحداً لم ينتبه إليهن أو يصغي لبوحهنّ. وذلك على الرغم من توقهن اللافت للتغيير وللقيام بعمل ما. وعلى الرغم أيضاً من فصاحتهن ووضوحهن وتماسك قصصهن وإدراكهن ما هنّ فيه وعليه، وإرادتهن كسر الصمت والقيد. أحسستُ أنَّ عليّ أن أفعل شيئاً حيالهن، فرحتُ أشجعهن على كتابة ما يسردنه من تجارب حياتيّة خضنها أو هواجس هجسن بها أو أحلام راودتهن أو أيّ شيء آخر، على أن أساعدهن في نشر ذلك كلّه إذا ما استطعت. توجّهت إلى إدارة الجريدة التي أكتب فيها (جريدة TAZ الألمانية) أشرح لمسؤوليها الفكرة وأطلب حيّزاً بين صفحاتها يتسع لنصوص النساء المشاركات. وسرّني تحمّس الجريدة للاقتراح وطلبها منّي أن أباشر العمل مع النساء المعنيّات. لكنّ الأمر لم يكن سهلاً كما كنت أتوقّع. لقد أغفلتني حماستي وتعاطفي وانفعالاتي المختلفة عن إجراءات لا بدّ منها كي يتحقّق العمل وتكون له جدواه وقيمته. وخرجت من الإدارة، وأمام عينيّ مشروع صغير/ ورشة، يحتاج إلى أن أقدّم بصدده خطة واضحة ومتكاملة، وأن أبحث عن جهة تتبنّاه، وعن مكان أجتمع فيه مع النساء، ثمّ عن مترجم لترجمة النصوص، ليتمّ بعدها العودة إلى الجريدة، لنشر المواد، وفقاً لميزانيّة جديدة تخصّص لهذا الغرض. وبالفعل، حدث أن أضيفت أربع صفحات إلى الجريدة.
كنت أعود إلى البيت وأنا أجرّ خيبتي ورائي، وأصوات النساء ما تزال تتردّد في مسمعي: "أتمنى أن أشارك لكنّني لا أستطيع!"، "زوجي سيطلقني!"، "أبي لا يهون عليه أن أشارك في هكذا نشاطات!"، "أخي سيمنعني!"
بعد جهد كبير وعمل طويل، استطعنا إنهاء التحضيرات اللوجستية بنجاح. تمّ ذلك بالتعاون مع منظمة "حلقة السلام من أجل سورية"، ومع مشروع "ملتقى المتاحف في برلين"، ومنظمة "بي باك"، وبتمويل من منظمة "Frauen ID" التابعة لبرنامج "Kultur macht Stark". وربما كان ضرورياً أن نعرف بهذه الجهات باختصار: "حلقة السلام من أجل سوريا" هي جمعية مرخّصة غير ربحية، أُسست عام 2013، مقرّها برلين، لا تنتمي إلى أيّ حزب سياسي، وتعتمد في تمويلها على مساهمات أعضائها وعلى تبرعات الجهات والمؤسسات الداعمة. يعمل أعضاء هذه الجمعية بشكل تطوّعي. وبعضهم ولدوا في سوريا وعاشوا فيها لفترة، وبعضهم الآخر لديه صلة بسوريا والسوريّين. تؤمن هذه الجمعية بأنّ وقف إطلاق النار وتحقيق السلم في سوريا لا يمكن أن يتحقّق إلا من خلال الحوار المباشر وغير المباشر بين أطراف الصراع من جهة ومع المجتمع المدني من جهة أخرى. كما يشكّل جزءاً أساسيّاً من عملها تعزيز التواصل ودعم التبادل الثقافي بين الوافدين الجدد والمجتمع المضيف. "ملتقى المتاحف في برلين" مشروع مشترك بين متحف الفنّ الإسلامي ومتحف الشرق الأدنى القديم ومتحف الفن البيزنطي ومتحف التاريخ الألماني، بدعم من جمعية أصدقاء متحف الفن الإسلامي، يجري فيه تبادل الخبرات التاريخية والثقافية المختلفة. وقد أقام مشروعاً تحت عنوان "المتحف كمكان للقاء: اللاجئون أدلاء متحفيين في متاحف برلين" جرى فيه تدريب لاجئين عراقيين وسوريين ليصبحوا مرشدين في أربعة من متاحف برلين ويقوموا بعدئذٍ بترتيب جولات للاجئين باللغة العربية. أمّا منظمة "bi'bak" ومنظمة "Frauen ID"، فهما على التوالي منظمة غير ربحية تعنى بالثقافة ومركز تدريب مشترك للبدء بتنفيذ مشروعات ثقافية للاجئات الشابات من سن 18 وحتى 26 سنة بهدف تعزيز الثقة بالنفس لدى اللاجئات من خلال تنمية مهارات التعليم الثقافي الذاتي. وهي تدعم مختلف المشروعات الثقافية: عروض مسرحية, رسم, موسيقى, رقص وفنون تطبيقية. بقيت أمامنا بعد ذلك المهمة الأصعب، وهي الوصول إلى أكبر عدد من النساء اللواتي يرغبن في المشاركة. لا يمكنني إحصاء النشاطات التي قمنا بها لمقابلة النساء، ولا إحصاء أعداد النساء اللواتي التقيتهن، إلا أنّني، في نهاية كل لقاء، كنت أعود إلى البيت وأنا أجرّ خيبتي ورائي. وأصوات النساء ما تزال تتردّد في مسمعي: "أتمنى أن أشارك لكنّني لا أستطيع!"، "زوجي سيطلقني!"، "زوجي سيضربني!"، "أبي سيقتلني!"، "أبي لا يهون عليه أن أشارك في هكذا نشاطات!"، "أخي سيمنعني!"، "أمي لن توافق، وتحتاجني لمساعدتها في أشغال البيت!"، "خطيبي في سورية، ولا يهون عليه أن أشارك في هذه النشاطات!"، "لا أستطيع المشاركة، لدي أطفال، وزوجي لا يساعدني! أنا وحيدة هنا!". كثيرة هي المرّات التي عدت فيها إلى البيت وأنا أبكي وأقول لنفسي أن لا أمل. لا مجال للاستمرار. لكني لا ألبث في صباح اليوم التالي أن أبدأ السعي من جديد، تشدّني أصوات النساء المتعبة، وتوقهنّ المقيّد إلى الحياة والتعبير! في النهاية، حصلنا على موافقة ما يقارب خمس عشرة مشاركة. التزمت من بينهن بالورشة التي عُقدَت بين 23 حزيران و12 تموز 2018 اثنتا عشرة أول الأمر، ثم بدأ العدد بالتناقص بسبب الظروف. منهنّ من كذبن على عائلاتهن ليتمكنّ من الحضور. وأخريات طلبن بعد المشاركة عدم ذكر أسمائهن أو نشر أيّ صور لهن، خشية أن يعلم أحد أفراد عائلاتهن. وغيرهنّ كتبن قصصهن، لكنهن رفضن نشرها. وكانت تنضم إلى الورشة نساء جديدات ثمّ تنسحب أخريات، وهكذا دواليك، حتى نهاية عمل الورشة. على الرغم من كلّ هذا ثابرت عديدات حتى النهاية بحماسة شديدة. كن يرغبن في خوض تجربة الكتابة ووجدن في الورشة فرصة لا تُفوّت. كان تفاعلهن مع بعضهن بعضاً لافتاً. وكانت نقاشاتهن في شتى المواضيع محلّ نفع كبير بالنسبة إلي، ما جعل الورشة حيّزاً للتعليم والتعلّم. لعلّ نصوص بعض هؤلاء النساء المنشورة هنا أن تكون خير دليل وأفصح تعبير عن الورشة ونتائجها.  
من أجل سوريا حرّة، كريمة، وآمنة

هنا في المهجر يسهل كل شيء، التنظير والمطالبة باستمرار العمل الثوريّ، توزيع الشهادات الثوريّة، وشهادات..

كفاح علي ديب
الكلب!

في النهاية، كان السجّان يرضخ لعناد الرجل، فيفتح باب الزنزانة، ويصرخ كالضبع: "ألم أقل لك أن تخرس، يا كلب،..

كفاح علي ديب
سوريّةٌ في جبال الألب.. إلى صديقتي لاورا:

عزيزتي لاورا، أدرك أنّني على مدى الأيّام الأربعة، تحدثت مطوّلاً عن بلدي، لا سيما عن مدينتيّ اللاذقية..

كفاح علي ديب

اقرأ/ي أيضاً لنفس الكاتب/ة